بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد عدد ما ذكره الذاكرون الأخيار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد ما اختلف الليل والنهار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى المهاجرين والأنصار.
أما بعد: فنتناول الأحكام المتعلقة بصلاة الجماعة، وبين يدي هذه الأحكام لا بد لنا من مقدمة أذكر فيها بأن الإسلام هو دين الجماعة، ودائماً ما يرغبنا في الاجتماع، سواء كان ذلك في العبادات، أو كان ذلك في العادات، وحتى في الطعام فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول:(اجتمعوا على الطعام يبارك لكم فيه)، وقال عليه الصلاة والسلام:(يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار)، ويبين لنا عليه الصلاة والسلام أن (الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب)، وينهانا صلى الله عليه وسلم أن يسافر أحدنا وحده.
فهذا كله من أجلى المظاهر وأوضحها بأن الإسلام هو دين الجماعة، وكذلك هذه الصلوات الخمس المكتوبات، فالإسلام يحثنا على السعي إلى المساجد لأداء هذه الصلوات في جماعة، فقد صح عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال:(من غدا إلى المسجد أو راح؛ أعد الله له نزلاً في الجنة كلما غدا أو راح).
وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال:(بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة).
وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه رتب على صلاة الجماعة أجراً عظيماً فأخبر:(أن الرجل إذا خرج من بيته لا يخرجه إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفعت له درجة، وحطت عنه خطيئة، حتى يدخل المسجد، فإذا دخل المسجد كان في صلاة ما دامت الصلاة هي التي تحبسه، والملائكة يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه يقولون: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه).
وأخبر عليه الصلاة والسلام بأن صلاة الجماعة يرفع الله بها الدرجات ويمحو بها الخطيئات، قال عليه الصلاة والسلام:(ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط فذلكم الرباط).
فصلاة الجماعة سبب لمضاعفة الحسنات، وحط الخطيئات، ورفع الدرجات، ويحصل بسببها خير كثير، فالإنسان في المسجد يلقى أخاه المسلم؛ فيتبسم في وجهه؛ فيكتب الله له بذلك صدقة، وقد يصافحه؛ فتتساقط الذنوب قبل أن يتفرقا، وقد يجد في المسجد محتاجاً فيساعده، أو ملهوفاً فيغيثه، وقد يصادف في المسجد جنازة فيصلي عليها، وقد يخبر في المسجد أن فلاناً مريض فيعوده، أو أن فلاناً قد مات له ميت فيعزيه وهكذا صلاة الجماعة سبب لخير كثير؛ لذلك قال الإمام الشوكاني رحمه الله: لا يخل بالمحافظة عليها إلا محروم مشئوم.