والشياطين والطيور والوحوش ما بلغ معسكره مائة فرسخ فحملتهم الريح.
فلما وافى الحرم أقام به ما شاء الله أن يقيم وكان ينحر كل يوم - طول مقامه بمكة - خمسة آلاف ناقة ويذبح خمسة آلاف ثور وعشرين ألف شاة وقال لمن حضره من أشراف قومه هذا مكان يخرج منه نبي عربي صفته كذا وكذا يعطي النصر على من عاداه وتبلغ هيبته مسيرة شهر القريب والبعيد عنده في الحق سواء لا تأخذه في الله لومة لائم.
قالوا فبأي دين يدين يا نبي الله؟ قال بدين الحنيفية فطوبي لمن آمن به وأدركه فقالوا كم بيننا وبين خروجه يا نبي الله؟ قال مقدار ألف عام فليبلغ الشاهد منكم الغائب فإنه سيد الأنبياء وخاتم الرسل.
فأقام بمكة حتى قضي نسكه ثم خرج من مكة صباحاً وسار حتى لحق اليمن فوافى صنعاء وقت الزوال وذلك مسيرة شهر فرأى أرضاً حسنا تزهو خضرتها فأحب النزول بها ليتغذى ويصلي.
وكان الهدهد دليل سليمان على الماء فإنه كان يعرف موضع الماء ويراه تحت الأرض كما يرى في الزجاجة فيعرف قربه من بعده فينقر الأرض حتى تجيء الشياطين فيسلخونها ويستخرجون الماء فلما نزل سليمان قال الهدهد سليمان قد اشتغل بالنزول فارتفع نحو السماء حتى نظر إلى طول الدنيا وعرضها فنظر يميناً وشمالاً فرأى بستاناً لبلقيس فمال إلى الخضرة فوقع فيه فإذا هو بهدهد فهبط عليه وكان اسم الهدهد سليمان يعفو واسم هدهد اليمن عنيفر.
فقال عنيفر اليمن ليعفور سليمان من أين أقبلت وأين تريد؟ قال أقبلت من الشام مع صاحبي سليمان بن داود فقال ومن سليمان؟ قال ملك الأنس والجن والشياطين والوحوش والطيور والرياح فقال يعفور لعنيفر فمن أين أنت؟ قال أنا من هذه البلاد قال ومن ملكها؟ قال امرأة يقال لها بلقيس وأن لصاحبكم ملكاً عظيماً ولكن ليس ملك بلقيس دونه فإنها ملكة اليمن كلها