اعلم وفقك الله أن المسجد الأقصى الشريف - شرفه الله وعظمه - ليس له نضير تحت أديم السماء ولا بني في المساجد صفته ولا سعته وكان في الزمان الأول على الصفات العجيبة التي تقدم شرحها عند ذكر بناء سليمان ﵇ وكذلك عند ذكر بناء أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان.
وأما صفته في هذا العصر فهي أيضا من الصفات العجيبة لحسن بنائه واتقانه فالجامع الذي هو في صدره عند القبلة التي تقام فيها الجمعة وهو المتعارف عند الناس إنه المسجد الأقصى يشتمل على بناء عظيم به قبة مرتفعة مزينة بالفصوص الملونة وتحت القبة المنبر والمحراب وهذا الجامع ممتد من جهة القبلة إلى جهة الشمال وهو سبع أكوار متجاورة مرتفعة على العمد الرخام والسواري فعدة ما فيه من العمد خمسة وأربعون عمودا منها ثلاثة وثلاثون من الرخام ومنها اثنا عشر مبنية بالأحجار وهي التي تحت الجملون وعمود ثالث عشر مبني عند الباب الشرقي تجاه محراب زكريا وعدة ما فيها من السواري المبنية بالأحجار أربعون سارية وسقفه في غاية العلو والارتفاع فالسقف مما يلي القبلة من جهتي المشرق والمغرب مسقف بالخشب ومما يلي القبة من جهة الشمال ثلاثة أكوار مسقفة بالخشب الأوسط منها هو الجملون وهو أعلاها واثنان وهما إلى جانب الجملون من المشرق والمغرب دونه وبقية الأكوار وهي أربع اثنان من جهة المشرق واثنان من جهة المغرب معقود ذلك بالحجر والشيد وعلى القبة والجملون والسقف الخشب رصاص من ظاهرها وصدر الجامع القبلي وبعض الشرقي مبنيان بالرخام الملون والمحراب الكبير الذي هو في صدره إلى جانب المنبر من جهة الشرق يقال أنه محراب داود ﵇ ويقال أن محراب داود إنما هو الذي بظاهر الجامع المبني في السور القبلي من جهة الشرق بالقرب من مهد عيسى وهو موضع مشهور.