من العز والوقار ما لا يمكن شرحه وكان القياس يقتضي أنه إذا توفي صاحبها ومضى عليه أزمنة ودهور لا يؤول أمرها إلى هذا التلاشي الفاحش في هذه المدة اليسيرة فسبحان القادر على ما يشاء والمتصرف في عباده بما يريد.
قاضي القضاة الإمام العلامة خير الدين أبو الخير محمد بن الشيخ الإمام المقري المحدث شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عمران الغزي الأصل ثم المقدسي الحنفي ولد بغزة في ليلة العشر من شهر رمضان سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة قرأ القرآن بالروايات على والده وأجازه وسافر إلى الديار المصرية واشتغل من ابتداء أمره ودأب وحصل وتفقه بالقاهرة على الشيخ قاسم الحنفي وأذن له بالافتاء والتدريس ولقي العلماء وأخذ عن جماعة الفقه والحديث وبرع في مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة ﵁ وتميز وصار من الأعيان المعتبرين.
ولي قضاء الحنفية بالقدس الشريف عوضا عن قاضي القضاة جمال الدين الديري وكانت ولايته في يوم ولاية شيخ الاسلام الكمالي ابن أبي شريف مشيخة الصلاحية والقاضي شهاب الدين بن عبيد قضاء الشافعية وخلع على الثلاثة بحضرة السلطان بالحوش وكنت حاضرا ذلك المجلس في صبيحة يوم السبت في شهر صفر سنة ست وسبعين وثمانمائة وسافروا جميعا من القاهرة ودخلوا إلى القدس الشريف في يوم الاثنين ثاني عشري ربيع الأول وباشر قاضي القضاة خير الدين القضاء بعفة وشهامة وكانت سيرته حسنة وأحكامه مرضية.
ثم في أواخر سنة ست وسبعين استقر في نصف الإمامة بالصخرة الشريفة بحكم وفاة الإمام شهاب الدين أحمد بن حافظ مشاركا للشيخ شهاب الدين أحمد ابن الشنتير بالنصف الثاني بتقرير صدر لهما من ناظر الحرمين الأمير ناصر الدين ابن النشاشيبي فلم يتم لهما ذلك وأخذت منهما الإمامة للشيخ سعد الدين الحنفي بأمر السلطان بعد مباشرتهما مدة يسيرة.
واستمر القاضي خير الدين على القضاء إلى أن عزل بالقاضي جمال الدين