ولما كان السلطان على بيروت وصل إليه كتاب الصفي بن القابض من دمشق يتضمن أن صاحب جبيل أذعن بتسليمها ويطلق فرسم السلطان بإحضاره وهو مقيد فأحضر بين يديه وسمح بتسليم بلده وتسلمها السلطان وأطلقه ولم تكن عاقبة إطلاقه حميدة فإنه كان ممن أعظم الإفرنج وأشدهم عداوة للمسلمين وكان معظم أهل صيدا وبيوت وجبيل مسلمين وكانوا في ذل كبير من مساكنه الإفرنج ففرج الله عنهم.
وكان تسليم جبيل يوم الثلاثاء سابع عشر من جمادي الأولى والسلطان يومئذ على بيروت وكان كل من استأمن من الكفار مضى إلى صور وصارت منزلهم وهي التي فر القمس إليها يوم كسرتهم على حطين.
(هلاك القمس ودخول المر كيس إلى صور)
لما عرف القمس السلطان منها أخلاها وتوجه إلى طرابلس فهلك بها وكان المركيس من أكبر طواغيت الكفر ولم يكن وصل إلى بلاد الساحل قبل هذا العام واتفق وصوله إلى ميناء عكا ولم يعلم بفتحها ولا ما فيها من المسلمين فلما قدم عليها تعجب من أهلها لكونهم لم يتلقوه ورأى من فيها غير هيئة النصارى فارتاب لذلك وسأل عن الحال فأخبروه بما وقع ففكر في النجاة وقصد الفرار فلم تهب له ريح وسأل عن البلد ومن إليه أمره فقيل له الملك الأفضل فقال: خذوا لي منه أماناً حتى أدخل فجيء إليه بالأمان فقال: ما أثق غلا بخط يده فما زال يردد الرسل ويدبر الحيل حتى وافقته الريح فأقلع وتوجه إلى صور وضبطها بمن فيها وأرسل رسله إلى الجزائر يستعدي ويستنفر وثبت في صور وبقي كلما فتح السلطان بلداً بالأمان يسير أهلها في حفظ السلطان إلى صور فاجتمع إليه أهل