ثم رحل السلطان من عسقلان إلى القدس الشريف وسمع خبره من في القدس فاشتد رعبهم وكان بها من مقدمي الإفرنج باليان بن بارزان والبطرك الأعظم ومن كلا الطائفتين الاستبارية والراوية وضاقت بهم منازلهم فأخذوا في تدبير أنفسهم وأيسوا وصاروا في هرج ومرج واشتد بهم الكرب.
وأقبل السلطان بعساكر الإسلام وهو في أبهته وهيئته المرهب ونزل على القدس الشريف من جهة الغرب يوم الأحد خامس عشر رجب وكان في القدس يومئذ ستون ألف مقتل من الإفرنج وقد وقفوا دون البلد للمبارزة وقاتلوا أشد القتال واستمر الحربين الفريقين فانتقل السلطان يوم الجمعة لعشرين من رجب إلى الجانب الشمالي وخيم هناك وضيق على الإفرنج ونصب المناجيق ورمى بها حتى تهدم غالب السور ثم أخذ المسلمون في نقب السور مما يلي وادي جهنم واشتد القتال وتباشر أهل الإسلام بالفتح (وكان يوماً عسيراً على الكافرين غير يسير). فبرز من الإفرنج ابن بارزان ليطلب الأمان من السلطان فلم يجبه السلطان إلى ذلك وقال لا خذها إلا بالسيف مثل ما أخذها الإفرنج من المسلمين.
فتعرضوا للتضرع وعاودوه في طلب الأمان وعرفوه ما هم عليه من الكثرة وإنهم إن آيسوا من الأمان قاتلوا خلاف ذلك ولا يحرج أحد منهم حتى يجرح عشرة ويخربوا الدور وقبة الصخرة ويقتلوا كل من عندهم من أسارى المسلمين - وهم ألوف - ويعدموا ما عندهم من الأموال وكذلك الذراري.
فعقد السلطان محضراً للمشورة وأحضر أكابر دولته وأكثر عساكره وشاورهم في الأمر ودار الكلام بينهم واجتمع رأيهم على الصلح بشرط أن يؤدي كل من بها من الرجال عشرة دنانير ومن النساء خمسة ويؤدي عن الطفل ديناران وأي من عجز عن الأداء كان أسيراً.