وانقطاع أخبار السلف باستيلاء الكفار على الأرض المقدسة وسأذكر ما تيسر من أسماء العلماء والأعيان بالقدس الشريف ممن كان به بعد الفتح الصلاحي - كما تقدم الوعد به - إن شاء الله تعالى.
ولنذكر الآن نبذة يسيرة مما وقع ببيت المقدس من الحوادث والأخبار في ذلك الزمان:
فمن ذلك ما وقع في شهور سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة إن الحاكم بأمر الله أبو علي المنصور بن العزيز الفاطمي خليفة مصر أمر بتخريب كنيسة القمامة من بيت المقدس وأباح للعامة ما كان بها من الأموال وأمتعة وغير ذلك وكان ذلك بسبب ما أنهي إليه من الفعل الذي تتعاطاه النصارى يوم الفصح من النار التي يحتالون بها بحيث يتوهم الاغمار من جهلتهم إنها تنزل من السماء وإنها مصبوغة بدهن البيلسان في خيوط الإبريسم الرفاع المدهونة بالكبريت وغيره بالصنعة اللطيفة التي تروج على العظام منهم والعوام وهم إلى الآن يستعملونها في القمامة ويسمى ذلك اليوم عندهم سبت النور ويقع فيه من المنكر بحضور المسلمين ما لا يحل سماعه ولا رؤيته من جهرهم بالكفر ورفع أصواتهم يقولون يا لدين الصليب وإظهار كتبهم ورفع الصلبان على رؤسهم غير ذلك من الأمور التي تقشعر منها الأجساد ثم لما توفي الحاكم بأمر الله في شوال سنة إحدى عشرة وأربعمائة ولي بعده الظاهر لا عزاز دين الله أبو الحسن علي واستمر إلى أن توفي في شعبان سنة سبع وعشرين وأربعمائة.
ثم تولى بعده المستنصر بالله أبو تميم معد فهادن ملك الروم على أن يطلق خمسة آلف أسير ليمكن من عمارة قمامة التي كان خربها جده الحاكم في أيام خلافته فأطلق الأسرى وأخرج ملك الروم عليها أموالاً عظيمة.
(قلت) والذي يظهر أن تخريبها لم يكن تخريباً كلياً بل كان في غالبها والله أعلم.