وأقام السلطان على صور يحاصرها فدخل الشتاء وضجر العسكر وكثرت الجرحى وتوالت الأمطار والسلطان يحرضهم على القتال والثبات وكثر القتال واشتد الأمر وما زالوا يراجعون السلطان ويشيرون عليه بالرحيل.
وكان السلطان أنفق في تلك المدة أموالاً كثرة على آلة القتال ولا يمكن نقلها، إن تركها تقو بها الكفار فنقضها وفك بعضها وأحرق ما تعذر حمله وحمل بعضها إلى صيدا وبعضها إلى عكا وتأخر السلطان عن قرب صور فشرع العسكر في الانصراف وواعد في المعاودة إلى أوان الربيع وودع الملك المظفر تقي الدين من هناك.
وبقي السلطان يتأسف على الفتح فسار إلى عكا وخيم على بابها ثم اشتد البرد فدخل السلطان المدينة وسكن بها وشرع في التأهب إلى الجهاد وإصلاح العدد وإكرام من يغدو إليه وكانت رسل الآفاق من الروم وخراسان والعراق عاكفين على بابه فيما مر يوم ولا شهر إلا ويصل إليه رسول.
ورتب أحوال عكا وأمورها ووقف نصف دار الاستبار رباطاً للصوفية ونصفها مدرسة للفقهاء وجعل دار الأسقف بيمارستان للضعفاء.
ودخلت سنة أربع وثمانين وخمسمائة والسلطان مقيم بعكا فلما دخل فصل الربيع سار ونزل على سمت حصن كوكب في العشر الأوسط من المحرم قبل تكامل العسكر وحاصره فرأى أن فيه صعوبة ويطول أمره ثم وكل بها قائماً النجمي في خمسمائة مقاتل ورتب على صفد خمسمائة فارس وجهزهم إليها.
[(ذكر حال الكرك من أول الفتح)]
قد مضى ذكر ابرنس الكرك وقتله وكانت زوجته ابنة فليب صاحب الكرك مقيمة بالقدس وممن أسر ولدها هنقرى ابن هنري فلما فتح بيت المقدس حضرت إلى السلطان وتخضعت له وتذللت وسألت في فك ولدها من الأسر وصحبتها