والحديث الشريف المتقدم وهذه الأقوال تدل على أن بناء داود وسليمان ﵉ إياه لما كان على أساس قديم لا إنهما المؤسسان له بل هما مجددان وكل قول الأقوال الواردة في بناء المسجد الأقصى لا ينافي الآخر فإنه يحتمل أن يكون الملائكة أولاً ثم جدده آدم ﵇ ثم سام بن نوح ﵉ ثم يعقوب بن إسحاق ﵉ ثم داود وسليمان ﵉ فإن كل نبي منهم بينه وبين الآخر مدة أن يجدد فيها البناء المتقدم قبله والقول بأن سام نوح أسسه ظاهر فإن سام بن نوح هو الذي اختط مدينة بيت المقدس وبناها وكان ملكاً عليها فلا يبعد أن يكون في المسجد حين بنائه المدينة ولكن يحمل على تجديده للبناء القديم لا تأسيسه والله أعلم.
وأما مدينة القدس فكانت أرضها في ابتداء الزمان صحراء بين أودية وجبال خالية لا بناء فيها ولا عمارة فأول من بناها واختطها سام بن نوح ﵉ وكان ملكاً عليها وكان يلقب مليكيصادق بفتح الميم وسكون اللام وكسر الكاف وسكون الياء المثناة من تحتها وفتح الصاد المهملة وبعدها ألف ثم دال مهملة مكسورة فيها قاف ومعناه بالعبرانية ملك الصدق.
ومما حكي في أمر بناء القدس في تواريخ الأمم السالفة أن مليكيصادق نزل في بيت المقدس وقطن بكهف من جبالها يتعبد فيه واشتهر أمره حتى بلغ ملوك الأرض من هم بالقرب من أرض بيت المقدس وبالشام وسدوم وغيرهما وعدتهم اثنا عشر فحضروا إليه فلما رأوه وسمعوا كلامه اعتقدوه وأحبوه حباً شديداً ودفعوا مالاً ليعمر به مدينة القدس فاختطها وعمرها وسميت بروشليم وتقدم أن معناه عمرانية بيت السلام فلما انتهت عمارتها اتفقت الملوك كلهم أن يكون مليكيصادق عليها وكنوه بأبي الملوك وكانوا بأجمعهم تحت طاعته واستمر حتى مات بها يأتي ذكر مولده ووفاته عند ذكر والده نوح إن شاء الله تعالى.
ولما بنيت مدينة بيت المقدس كان محل المسجد في وسطها وهو صعيد واحد صخرة الشريفة قائمة في وسطه حتى بناه داود ثم سليمان كما سنذكر إن شاء الله تعالى.