أولي العزم والتمكين، وشد عضده ببقائهم، واقض باعزاز أوليائه وأوليائهم. اللهم كما أجريت على يده في الإسلام هذه الحسنة التي تبقى على الأيام، وتتجدد على ممر الشهور والأعوام، فارزقه الملك الأبدي الذي لا ينفد في دار المتقين، وأجب دعاءه في قوله (رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين).
ثم دعا بما جرت بها العادة، ونزل وصلى.
ولما قضيت الصلاة انتشر الناس، وكان قد نصب سرير الوعظ تجاه القبلة فجلس عليه الشيخ زين الدين أبو الحسن علي بن نجا الأنصاري الحنبلي المعروف بابن نجية وعقد مجلسا للوعظ، وكان واعظا حسنا بليغا.
وصلى السلطان الجمعة في قبة الصخرة، وكانت الصفوف ملئ الصحن. ثم رتب في المسجد الأقصى الشريف خطيبا.
وكان الملك العادل نور الدين الشهيد قد عزم على فتح بيت المقدس وعمل منبرا بحلب وتعب عليه مدة وقال: فأرسل السلطان صلاح الدين من أحضر المنبر من حلب وجعله في المسجد الأقصى، وهو الموجود في عصرنا هذا.
وأما الصخرة فقد كان الإفرنج بنوا عليها كنيسة ومذبحا وجعلوا فيها الصور والتماثيل، فأمر السلطان بكشفها ونقض البناء المحدث فيها، وأعادها كما كانت ورتب لها إماما حسن القراءة، ووقف عليها دارا وأرضا، وحمل إليها وإلى محراب المسجد الأقصى مصاحف وختمات وربعات شريفة، ورتب للصخرة وللمسجد الأقصى خدمة.
وكان الإفرنج قد قطعوا من الصخرة قطعا وحملوا منها إلى قسطنطينية ونقلوا منها إلى صقلية، قيل: باعوها بوزنها ذهبا. ولما فتح السلطان القدس كان على رأس قبة الصخرة صليب كبير مذهب فتسلق المسلمون وقلعوه، فسمع لذلك ضجة لم يعهد مثلها من المسلمين للفرح والسرور.