في قفار ومواضع مدة شهر لا يجدون الطعام فصاروا يذبحون خيلهم ويأكلونها ويكسرون قنطارياتهم لعدم الحطب ويشعلونها في البرد الشديد وزمان الثلج وحصل لهم من الشدة ما لا يكاد يوصف وضعف حالهم وذلك من لطف الله بالمسلمين.
فلما وصل إلى بلاد قلج أرسلان بن مسعود حصل بينه وبين الكفار طراد وقتال ثم أرسلا واصطلحا وتهاديا واقتضى الحال بينهما أن ملك الألمان يدخل إلى البلاد الشامية وإنه يسير في بلاده وأعطاه عشرين مقدماً من أكابر أمرائه ليكونوا معه حتى يصل المأمن فلما وصل إلى بلاد الأرمن غدر بالرهائن وتأول عليهم بأن التركمان سرقوا منه في طريقه.
ونزل على طرطوس وهناك نهر فتواردت عليه العساكر وازدحموا فقصد ملك الألمان النزول إلى النهر ليغتسل فقال هل تعرفون موضعاً يمكن العبور منه؟ فقال له واحد هنا مخاضة ضيقة لا يدخل فيها إلا واحد بعد واحد فدخل في تلك المخاضة فقوى عليه الماء فصدمته شجرة في وجهه شجت جبينه وتورط في الماء فتعبوا في إخراجه فلما خرج بقي مريضاً ثم لك لعنة الله وخلقه ولده فقيل إنهم سلقوه في قدر حتى تخلص عظمه وانهرى لحمه وجمعوا عظامه في كيس ليدفن في كنيسة قمامة بالقدس حسبما أوصى به.
ووصل الخبر إلى السلطتان بهلاك الكافر وأن ولده خلفه وهو واصل في جمع كبير فعزم السلطان على استقباله وصده ثم تثبت وأرسل العساكر إلى البلاد التي هي في طريق هذا الكافر القادم ووقع المرض في الإفرنج وأمر السلطان بهدم سور طبرية وهدم يافا وأرسوف وقيسارية وهدم صور وصيدا وجبيل ونقل أهلها إلى بيروت.
وأما ولد ملك الألمان فمرض أياماً في بلاد الأرمن وهلك أصحابه من الجوع ووقع الموت في خيلهم ثم ساروا من بلاد الأرمن وحصل له ولعسكره شدة عظيمة.