العمل وتقدم ذكر ذرع الجامع الأقصى وارتفاع قبة الصخرة ودائرها قبل وان كان في القياس نقص أو زيادة فهو يسير وهذا القياس المذكور هنا مخالف لما تقدم عند ذكر صفة المسجد التي كان عليها في زمن عبد الملك بن مروان وقد تقدم هناك ذكر قياسه على أنواع مختلفة ليس في أحدها ما يوافق الآخر.
والظاهر أن الأذرعة المقاس بها مختلفة بحسب اصطلاح كل زمان ويحتمل ان يكون بعضها بذراع الحديد وبعضها بذراع اليد والله أعلم.
وفي المسجد أماكن كثيرة من الحواصل والأبنية والمخازن التي يطول شرح وصفها فان هذا المسجد الشريف صفاته عظيمة لا يتصورها إلا من شاهدها عيانا وهذا الذي ذكرته هنا إنما هو على سبيل التقريب.
ومن أعظم محاسنه انه إذا جلس انسان فيه في أي موضع منه ان يرى ذلك الموضع هو أحسن المواضع وأبهجها ولهذا قيل إن الله تعالى نظر إليه بعين الجمال ونظر إلى المسجد الحرام بعين الجلال فهذا المسجد في غاية البهجة والسعة والمنظر الحسن والمسجد الحرام في غاية الأبهة والوقار والهيبة.
قال الصاحب الأكمل تاج الدين أحمد بن الصاحب أمير الدين أبي محمد عبد الله الحنفي في كتابه المسمى ب (العسجد في صفة الأقصى والمسجد) وأما ما شاهدته فيه بالعيان إنني جلست وقتا في بقعة منه مكللة بأزاهر من الشقائق والأقحوان والى جانبي فقير عليه أطمار رثة يبدي تبسما وتارة يعلن صوته بالتسبيح والتكبير ترنما ويقول سبحان من جمع فيك المحاسن وكساك هذه الحلل الفاخرة وجعلك تحتوي على كنوز الدنيا والآخرة فقلت له يا سيدي أما فضله وبركته فقد صدق العيان فيها الخبر لكن ما كنوز الدنيا والآخرة؟ فقال ما منه زهرة تراها إلا ولها في النفع والضر خواص يعرفها أهل الاختصاص.
فقلت لعلك تظهر للعيان شيئا مما عرفته فيزداد به اليقين تبصرة وتكون هذه الجلسة معك عن صباح النجاح مسفرة.