صفر سنة اثنين وسبعين وثمانمائة فاستقر بعده في وظيفة قضاء الشافعية بالقدس واجتمع له منصب القضاء وتدريس الصلاحية وخطابة المسجد الأقصى وذلك في دولة الظاهر خشقدم في شهر ربيع الأول سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة فباشر القضاء بالقدس الشريف بعفة وصيانة ونزاهة مع لين جانب ولم يلتمس على القضاء الدرهم الفرد حتى تنزه عن معاليم النظار مما يستحقه شرعا.
ثم في أواخر سنة اثنتين وسبعين صرف عن تدريس الصلاحية وقضاء الشافعية واستقر فيهما قاضي القضاة غرس الدين خليل بن عبد الله أخو الشيخ أبي العباس المقدسي فانقطع في منزله بالمسجد يفتي ويدرس ويشغل الطلبة ويباشر وظيفة الخطابة بالمسجد الأقصى وقد عرضت عليه في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة قطعة من كتاب المقنع في الفقه وأجازني واستمر القاضي غرس الدين إلى سنة خمس وسبعين وثمانمائة فوقعت حادثة أوجبت عزله وسنذكرها فيما بعد في ترجمة السلطان الملك الأشرف نصره الله تعالى في حوادث السنة المذكورة.
واستقر بعده في تدريس الصلاحية شيخ الاسلام كمال الدين ابن أبي شريف وسنذكر ترجمته فيما بعد - كما تقدم الوعد به في أول الكتاب - وكانت ولايته في شهر صفر سنة ست وسبعين وثمانمائة واستمر بها إلى سنة ثمان وسبعين ثم أعيد شيخ الإسلام النجمي ابن جماعة إلى تدريس الصلاحية في ربيع الآخر في السنة المذكورة ووصل إليه التوقيع الشريف والتشريف السلطاني في جمادي الأولى وقرئ توقيعه بالمسجد الأقصى حين دخوله وهو لابس التشريف وكان يوم الخميس سابع جمادي الأولى ولم يجر بذلك عادة لأن المصطلح قراءة التوقيع عقب صلاة الجمعة ثم جلس للتدريس بعد ذلك وحضر معه خلق كثير وكنت حاضرا ذلك المجلس فقرأ خطبة بليغة بألفاظ فائقة من معناها أن هذه الوظيفة كانت بيده وخرجت عنه فمن الله بعودها والعود أحمد ثم تكلم على قوله تعالى: (ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم قالوا يا أبانا ما نبغي هذه بضاعتنا ردت