ثم سار إبراهيم من مصر إلى شام، وأقام بين الرملة وإيليا فهو أول من هاجر من وطنه في ذات الله تعالى حفظا لايمانه. ولما نزل بالموضع الذي يعرف بوادي السبع وهو شاب لا مال له، فأقام حتى كثر ماله وشاخ وضاق على أهل البلد مواضعهم من كثرة ماله ومواشيه. فقالوا له: يا شيخ ارحل عنا فقد آذيتنا بمالك أيها الشيخ الصالح - وكانوا يسمونه بذلك -. فقال لهم: نعم ارحل عنكم.
فلما هم بالرحيل قال بعضهم لبعض: انه جاء عندنا وهو فقير وقد جمع عندنا هذا المال كله فلو قلنا له أعطنا شطر مالك وخذ الشطر. فقالوا له ذلك، فقال لهم: يا قوم صدقتم جئتكم وكنت شابا واليوم صرت شيخنا فردوا علي شبابي وخذوا ما شئتم من مالي. فضصمهم ورحل عنهم.
فلما كان وقت ورد الغنم الماء جاؤوا يستقون فإذا الآبار قد جفت، فقال بعضهم لبعض: ألحقوا الشيخ الصالح الذي كنتم في بركته واسألوه الرجوع فإنه إن لم يرجع هلكنا وهلكت مواشينا. فلحقوه فوجدوه في الموضع المسمى بالغار وسألوه الرجوع، فقال: إني لست براجع ودفع لهم سبع شياه من غنمه وقال لهم: اذهبوا بها معكم فإنكم إذا أوردتموها البئر ظهر لكم الماء حتى يكون عينا تجري فاملؤا واشربوا واسقوا مواشيكم ولا يقربها امرأة حائض.
فرجعوا بالأغنام، فلما وقفت على البئر ظهر لهم الماء فكانوا يشربون منها وهي على حالها لم تنقص أبدا، واستمرت على تلك الحالة حتى أتت امرأة حائض واغترفت منها فغاض ماؤها.
ورحل إبراهيم ﵇ ونزل اللجون وأقام بها ما شاء الله تعالى. ثم أوحى الله إليه أن أنزل حبرى. فنزل بها، ونزل عليه جبريل وميكائيل ﵉ بحبرى وهما يريدان قوم لوط ﵇. فخرج إبراهيم عليهم ليذبح لهم عجلا فانفلت العجل منه ولم يزل حتى دخل مغارة حبرون فنودي يا إبراهيم سلم على عظام أبيك آدم ﵇. فوقع ذلك في نفس إبراهيم ﵇ ثم إنه ذبح العجل