قد ارتفع الخلاف بين الكافة أن الله ذخر للدولة الفاطمية- ثبّت الله أركانها- من الحضرة العليّة المنصورة الجيوشية- خلد اله سلطانها- من حمى سوادها، ونصر أعلامها، وضمّ نشرها، وحفظ سريرها ومنبرها، بعد أن كان الأعداء الذين ارتضعوا درّ إنعامها، وتوسموا بشرف أيامها، فطردت يد الاصطناع إملاقهم، وأثقلت قلائد الإحسان أعناقهم، خفروا ذمم الولاء، وكفروا سوابغ الآلاء، ففجأتهم الحوادث من كلّ طريق، ونعب بهم غراب الشتات والتفريق، واستباحتهم يد الشدائد فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ
(النحل: ٢٦) . ولم تزل النفوس منذ طرق أتسز بن أوق اللعين هذه البلاد، وأنجم فيها أنجم الفساد، وتعدّى حدود الله وكلماته، وتعرض لمساخطته ونقماته، عالمة بأن إملاء الحضرة العلية- مد الله ظلها على الكافة- لم يكن عن استعمال رخصة في هذه الحال، ولا سكون الى عوارض من الإغفال والإهمال، بل هو أمر ركب فيه متن التدبير، وجرت بنقله المقادير. واتبع فيه قوله تعالى: فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ
(الحج: ٤٤) وحين خدمته المطالع المردية إلى الأعمال القاهرة مؤملا انفصام عروة الله المتينة، وأفول ما توقّد من شجرة مباركة زيتونة، سكنت النفوس إلى [أن] الحضرة العلية- ثبت الله مجدها- ستجرّد له من عزماتها الباقية ما يعجّل دماره، وتنتضي له [من] آرائها الكاملة ما يعفّي آثاره. وحين توالت الأنباء، واصطلمت الرجال بانكسار اللعين، وما منحته الحضرة من النصر المبين، حتى نهبت الأموال وتحكّمت السيوف بحكم القادر الغالب، وأكلتهم الحرب أكل الغرثان الساغب، وأنشبت فيهم أظافرها المنية، وكسيت الأرض من دمائهم حلّة عسجدية، وولّى المخذول على أدباره، ونكص على أعقابه بوبيل أوزاره، يخاف من نجوم الليل أن ترجمه، ومن شمس النهار [أن] تصطلمه، وترك ما معه يقسّم يمينا وشمالا، ومن حشده يقتّل ركبانا ورجالا، علم أن لله تعالى عناية بالدولة الزاهرة، وتحقق أن له سبحانه رعاية بالملة الطاهرة، تحوط أقطارها، وتضاعف أنوارها، ولطفا خفيا بهذه الرعية، ومشيئته نافذة في هذه البرية، التي لولا مقام الحضرة العلية لمزّق أديمها، واستبيح حريمها. والله المحمود على ما منح الأمة من هذه النعمة، والمسؤول أن يشدّ ببقاء الحضرة العلية قواعد الاسلام، ويسم بمحامدها أغفال الأيام، ويستخدم لها