عنقه، وإذا ذكرت له النار فكأنها لم تخلق إلا له، وكان من فزعه قوله الحقّ عند من يخاف شرّه.
قيل: وكان الحسن ابن جارية لأمّ سلمة، فكانت أم سلمة تبعث بأمه في الحاجة، فتأخذه أم سلمة وترضعه، فيرون أن تلك الحكمة إنما كانت من لبن أم سلمة.
قال الشيخ: أم سلمة هذه ليست أمّ المؤمنين زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلّم، تلك أم سلمة بنت أمية بن المغيرة المخزومية، وهذه أمّ سلمة بنت مطية بن عامر بن كعب بن سلمة، كانت عند زيد بن ثابت.
قال حماد بن زيد: جالست الحسن أربع سنين فما سألته عن شيء هيبة له.
وقيل إنه أدرك من الصحابة مائة وثلاثين.
وكان بعض الأعراب يجالس الحسن ولا يسأله عن شيء، فقال له يوما: ما أراك تسأل شيئا من أمر دينك، فقال:
مهما جهلت فقد علمت ... بأنني عبد أموت
والناس في طلب الغنى ... وغناؤهم في ما يفوت
شاءوا لغيرهم ونا ... دوا والقبور هي البيوت
فكان الحسن يتمثل بهذه الأبيات غدوة وعشية.
قيل: كان بين الحسن البصري وبين ابن سيرين هجرة، فكان إذا ذكر ابن سيرين يقول: دعونا من ذكر الحاكة؛ وكان بعض أهل سيرين حائكا. فرأى الحسن في منامه كأنما [هو] عريان قائما على مزبلة يضرب بالعود، فأصبح مهموما برؤياه، فقال لبعض أصحابه: امض إلى ابن سيرين فقصّ عليه رؤياي على أنك أنت رأيتها، فدخل على ابن سيرين وذكر له الرؤيا، فقال له ابن سيرين: قل لمن رأى هذه الرؤيا لا يسأل الحاكة عن مثل هذا، فأخبر الرجل الحسن بمقاله فعظم لديه وقال: قوموا بنا إليه، فلما رآه ابن سيرين قام له وتصافحا وسلّم كلّ واحد منهما على صاحبه وجلسا يتعاتبان، فقال له الحسن: دعنا من هذا فقد شغلت الرؤيا قلبي، فقال له ابن سيرين: لا تشغل قلبك فإن العري عريّ من الدنيا، ليس عليك منها علقة، وأما