للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسقاه النهر، جاور الأضا [١] ، فحسن وأضا، رتع فيه الشّحرور [٢] ، ومرح العصفور، فنظر إلى أقاحيه، تفترّ في نواحيه، وإلى البهار، يضاحك شمس النهار، فجعل يلثم من ورده خدودا، ويضمّ من أغصانه قدودا، ويقتبس النار، من الجلّنار، ويلتمس العقيق، من الشقيق، فتثنّى ثملا، وغنّى خفيفا ورملا، بأطيب من نفحته المسكية، وأعطر من رائحته الذكية. وإني وإن أهديته في كلّ أوان، من أداء ما يجب غير وان، أعدّ نفسي السّكيت في السّبق، لتقصيري لما وجب عليّ من الحق، أثرت فعثرت، وجهدت فما سعدت، فأنا بحمد الله بخنوع وقنوع، وجناب عن غين الغين [٣] ممنوع، فارقت المثول ولا أزال [٤] ، ولزمت الخمول والاعتزال، سعيي سعي الجاهد، وعيشي عيش الزاهد، ببلد الأديب فيه غريب، والأريب مريب، إن تكلّم استثقل، وإن سكت استقلل، منزله كبيوت العناكب، ومعيشته كعجالة الراكب، فهو كما قال أبو تمام [٥] :

أرض الفلاحة لو أتاها جرول ... أعني الحطيئة لاغتدى حرّاثا

ما جئتها من أيّ باب جئتها ... إلا حسبت بيوتها أجداثا

تصدا بها الأفهام بعد صقالها ... وتردّ ذكران العقول إناثا

أرض خلعت اللهو خلعي خاتمي ... فيها وطلقت السرور ثلاثا

وأما حال عبده بعد فراقه في الجلد، فما حال أمّ تسعة من الولد، ذكور، كأنهم عقبان وصقور، كنّوا في وكور، اخترم منهم ثمانية، وهي على التاسع حانية، نادى النذير العريان في البداية، يا للعادية يا للعادية، فلما سمعت الداع، ورأت الخيل وهي سراع، جعلت تنادي ولدها الأناة الأناة، وهو ينادي القناة القناة [٦] :


[١] الأضا: جمع أضاة، وهو بركة الماء.
[٢] الوافي: رتعت فيه الفور (والفور: الظباء) .
[٣] م: عين الغين.
[٤] الوافي: فارقت المتوج بأزال.
[٥] ديوان أبي تمام ١: ٣٢٥.
[٦] م: العياه العياه.

<<  <  ج: ص:  >  >>