بني العباس ولحق بعبد الله بن علي فاستأمنه، فهو من مخضرمي الدولتين، وكان يختلف إلى كثيّر بن عبد الرحمن المعروف بكثير عزة الشاعر يروي عنه شعره، وكان هجّاء لبني هاشم فطلبه عبد الله بن علي فلم يقدر عليه، ثم جاءه حفص مستأمنا فقال: أنا عائد بالأمير، فقال له: ومن أنت؟ قال: حفص الأموي، فقال: أنت الهجّاء لبني هاشم؟ فقال: أنا الذي أقول أعز الله الأمير:
وكانت أمية في ملكها ... تجور وتكثر عدوانها
فلما رأى الله أن قد طغت ... ولم يحمل الناس طغيانها
رماها بسفاح آل الرسول ... فجذّ بكفّيه أعيانها
ولو آمنت قبل وقع العذاب ... فقد يقبل الله إيمانها
فلما أتم الإنشاد قال له عبد الله بن علي: اجلس، فجلس فتغدّى بين يديه، ثم دعا عبد الله خادما له فساره بشيء، ففزع حفص وقال: أيها الأمير قد تحرمت بك وبطعامك وفي أقلّ من هذا كانت العرب تهب الدماء، فقال له عبد الله: ليس شيء مما ظننت، فجاء الخادم بخمسمائة دينار فقال: خذها ولا تقطعنا وأصلح ما شعّثت منا.
وروى ابن السائب الكلبي أن هشام بن عبد الملك قال يوما لقوّامه على خيله كم أكثر ما ضمّت حلبة من الخيل في الجاهلية والاسلام؟ قالوا: ألف فرس وقيل ألفان، فأمر أن يؤذّن بالناس بحلبة تضمّ أربعة آلاف فرس، فقيل له: يا أمير المؤمنين يحطم بعضها بعضا فلا يتسع لها طريق، فقال: نطلقها ونتوكل على الله والله الصانع، فجعل الغاية خمسين ومائتي غلوة، والقصب مائة، والمقوّس ستة أسهم، وقاد إليه الناس من كلّ أوب، ثم برز هشام إلى دهناء الرصافة قبيل الحلبة بأيام، فأصلح طريقا واسعا لا يضيق بها، فأرسلت يوم الحلبة بين يديه وهو ينظر إليها تدور حتى ترجع، وجعل الناس يتراءونها حتى أقبل الزابد [١] كأنه ريح لا يتعلّق به شيء حتى دخل سابقا وأخذ القصبة، ثم جاءت الخيل بعد ذلك أفذاذا وأفواجا، ووثب الرجّاز يرتجزون
[١] في ابن عساكر يرد أحيانا الزايد وأحيانا الذائد.