للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل مولى مكنف بن زيد الخيل، الكوفي المعروف بالراوية: قال المدائني كان من أعلم الناس بأيام العرب وأخبارها وأشعارها وأنسابها ولغاتها. وكانت ملوك بني أمية تقدّمه وتؤثره وتستزيده فيفد عليهم ويسألونه عن أيام العرب وعلومها ويجزلون صلته.

وعن الهيثم [١] بن عدي صاحبه وراويته قال، قال الوليد بن يزيد لحماد الراوية:

بم استحققت هذا اللقب فقيل لك الراوية؟ فقال: بأني أروي لكلّ شاعر تعرفه يا أمير المؤمنين أو سمعت به، ثم أروي لأكثر منهم ممن أعرف أنك لم تعرفه ولم تسمع به، ثم لا أنشد شعرا لقديم ولا محدث إلا ميّزت القديم منه من المحدث؛ فقال: إن هذا لعلم وأبيك كثير، فكم مقدار ما تحفظ من الشعر؟ قال: كثيرا، ولكني أنشدك على كلّ حرف من حروف المعجم مائة قصيدة كبيرة، سوى المقطعات، من شعر الجاهلية دون شعر الإسلام، قال: سأمتحنك في هذا، وأمره بالانشاد فأنشد حتى ضجر الوليد، ثم وكل به من استحلفه أن يصدقه عنه ويستوفي عليه، فأنشده ألفين وتسعمائة قصيدة للجاهليين، وأخبر الوليد بذلك فأمر له بمائة الف درهم.

وروي [٢] عن حماد الراوية أنه قال: كنت منقطعا إلى يزيد بن عبد الملك وكان أخوه هشام يجفوني لذلك دون سائر أهله من بني أمية، فلما مات يزيد وأفضت الخلافة إلى هشام خفته فمكثت في بيتي سنة لا أخرج إلا لمن أثق به من إخواني سرّا، فلما لم أسمع أحدا يذكرني أمنت فخرجت وصلّيت الجمعة في الرصافة، ثم جلست عند باب الفيل، فإذا شرطيان قد وقفا عليّ فقالا: يا حماد أجب الأمير يوسف بن عمر، فقلت في نفسي: هذا الذي كنت أحذره، ثم قلت لهما: هل لكما أن تدعاني حتى آتي أهلي فأودعهم وداع من لا ينصرف إليهم أبدا ثم أصير معكما إلى الأمير؟ فقالا: ما إلى ذلك سبيل، فاستسلمت إليهما وصرت إلى يوسف بن عمر وهو في الايوان الأحمر، فسلمت عليه فرمى إليّ كتابا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله هشام أمير المؤمنين إلى يوسف بن عمر، أما بعد: فإذا قرأت كتابي هذا


[١] متابع للأغاني: ٦٨- ٦٩.
[٢] الأغاني: ٧٢- ٧٤ وتهذيب ابن عساكر ٤: ٤٣١ (نقلا عن الجليس الصالح ٣: ٣٥٧) والشريشي ٣: ٢٦٧ ودرة الغواص: ١١٠ ونزهة الألباء: ٢٣ والوافي ١٣: ١٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>