للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مزّة قبل مزجها فإذا ما ... مزجت لذّ طعمها من يذوق

وطفا فوقها فقاقيع كالد ... رّ صغار يثيرها التصفيق

ثم كان المزاج ماء سحاب ... لا صرى آجن ولا مطروق [١]

قال: فطرب هشام ثم قال: أحسنت يا حماد، يا جارية اسقيه، فسقتني شربة ذهبت بثلث عقلي، وقال: أعد فأعدت فاستخفه الطرب حتى نزل عن فرشه، ثم قال للجارية الأخرى: اسقيه، فسقتني شربة ذهبت بثلث عقلي الثاني، فقلت: إن سقتني الثالثة افتضحت، فقال لي هشام: سل حاجتك، قلت: كائنة ما كانت؟

قال: نعم، قلت: إحدى الجاريتين، فقال: هما جميعا لك بما عليهما وما لهما، ثم قال للأولى: اسقيه فسقتني شربة لم أعقل بعدها حتى أصبحت، فإذا بالجاريتين عند رأسي وعدّة من الخدم مع كلّ واحد منهم بدرة، فقال لي أحدهم: أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام ويقول لك: خذ هذه فأصلح بها شأنك، فأخذتها والجاريتين وانصرفت إلى أهلي.

قال الهيثم بن عدي: ما رأيت رجلا أعلم بكلام العرب من حماد.

وقال الأصمعي: كان حماد أعلم الناس إذا نصح، يعني إذا لم يزد وينقص في الأشعار والأخبار فإنه كان متهما بأنه يقول الشعر وينحله شعراء العرب.

وقال المفضل الضبي [٢] : قد سلط على الشعر من حماد الراوية ما أفسده فلا يصلح أبدا، فقيل له: وكيف ذلك؟ أيخطىء في رواية أم يلحن؟ قال: ليته كان كذلك، فإن أهل العلم يردّون من أخطأ إلى الصواب، ولكنه رجل عالم بلغات العرب وأشعارها ومذاهب الشعراء ومعانيهم، فلا يزال يقول الشعر يشبه به مذهب رجل ويدخله في شعره ويحمل ذلك عنه في الآفاق، فتختلط أشعار القدماء ولا يتميز الصحيح منها إلا عند عالم ناقد وأين ذلك.

وذكر أبو جعفر أحمد بن محمد النحاس [٣] أن حمادا هو الذي جمع السبع


[١] الصرى: الماء الذي طال استنقاعه (م: صدى) والآجن: المتغير الطعم، والمطروق: الذي طرقته الدواب، فراثت وكدرت.
[٢] الأغاني ٦: ٨٥.
[٣] انظر شرح القصائد التسع: ٦٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>