يوشك أن يخالط الحمى، وربما قال: يخالط الريبة، يوشك أن يحشر. وهذا حديث مجمع على صحته، وهو أحد الأحاديث التي اتفق أئمة الحديث على أن مدار السنة عليها، وقد أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما، وأبو داود والنسائي في سننه، وغيرهم من الأئمة في كتبهم من عدة طرق. وأخرجه مسلم بن الحجاج في العدد إلى الشعبي. وقد مات مسلم سنة إحدى وستين ومائتين، فيكون من سمعه من تاج الدين أبو اليمن كمن سمعه من مسلم.
وله عوال كثيرة يعجز عن تعدادها. وتفرد برواية كثير من الكتب لا يشركه فيها أحد، وفي كثرة ما صحبته وحضرت مجلسه ما رأيت القارىء قرأ عليه كتابا من مروياته وعلى الخصوص الأدبية واللغوية والنحوية ونحوها إلا وهو يسابق القارىء إلى ما يقرأه بالإشارة إلى المعنى أو إيراد اللفظ. وقلّما سئل عن مسألة إلا وأجاب فيها، ثم استدعى الكتاب في الحال وأخرج المسألة منه توافق ما أجاب به، فقيل له: أيّ حاجة إلى إحضار الكتاب وقولك حجة بالغة؟ فقال كلاما معناه يزيد تثبت السائل وتحقّق المسؤول.
وتفرّد بالسماع والرواية من جماعة مشايخ، وخرج من بغداد وقصد همذان، وتفقّه على سعد الراوي. واتفق أن والده حجّ وتوفي، فلما بلغه خبر والده عاد إلى بغداد، وأقام بها مدة، ثم أصعد إلى الشام، واتصل بعز الدين فروخ شاه وصحبه عشر سنين ما فارقه ساعة واحدة ثم التحق بأخيه من بعده تقي الدين.
وقد قرأ النحو على أبي محمد سبط أبي منصور الخياط وعلى أبي السعادات هبة الله ابن الشجري وابن الخشاب، واللغة على أبي منصور موهوب الجواليقي وسمع الحديث من ابن عبد الباقي وآخرين.
ولما قدم دمشق تقدّم فيها وتصدّر وازدحم عليه الطلاب، وانتقل من مذهب الحنابلة إلى مذهب الحنفية فتوغل فيه وأفتى، واستوزره فروخ شاه، ثم اتصل بأخيه صاحب حماة واختص به. وقرأ عليه الملك المعظم عيسى العربية فأقرأه «كتاب سيبويه» و «الإيضاح» لأبي علي الفارسي و «شرح سيبويه» لابن درستويه وقرأ عليه جماعة القراءة والنحو واللغة، وكتب الخطّ المنسوب، وكانت له خزانة كتب جليلة في