للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسائله، وذكره في «ذيل مدينة السلام» وأثنى عليه، وأخذ الناس عنه علما وأدبا كثيرا، وكان لا يخاطب أحدا إلا بكلام معرب.

وإنما قيل له حيص بيص لأنه رأى الناس يوما في أمر شديد فقال: ما للناس في حيص بيص؟ فبقي عليه هذا اللقب.

مات ليلة الأربعاء سادس شعبان سنة أربع وسبعين وخمسمائة ببغداد.

ومن تقعّر الحيص بيص في كتابه ما حدّث به بعض أصحابه أنه نقه من مرض فوصف له صاحبه هبة الله البغدادي الطبيب [١] أكل الدراج، فمضى غلامه واشترى دراجا واجتاز على باب أمير وغلمانه يلعبون، فخطف أحدهم الدراج، فأتى الغلام الحيص بيص وأخبره الخبر، فقال له: ائتني بدواة وقرطاس، فأتاه بهما فكتب إلى ذلك الأمير: لو كان مبتزّ دراجة فتخاء كاسر، وقف بها السّغب بين التدويم والتمطر، فهي تعقي وتسفّ، وكان بحيث تنقب أخفاف الإبل لوجب الإغذاذ إلى نصرته، فكيف وهو ببحبوحة كرمك، والسلام. ثم قال لغلامه: امض بها وأحسن السفارة بايصالها للأمير، فمضى بها ودفعها للحاجب، فدعا الأمير بكاتبه وناوله الرقعة فقرأها ثم فكر ليعبّر له عن المعنى، فقال له الأمير: ما هو؟ فقال: مضمون الكلام أن غلاما من غلمان الأمير أخذ دراجا من غلامه، فقال: اشتر له قفصا مملوءا دراجا واحمله إليه، ففعل.

وكتب [٢] إلى أمين الدولة ابن التلميذ يطلب منه شياف أبار: أزكنك [٣] أيها الطبّ اللبّ الآسي النطاسي النفيس النقريس، أرجنت عندك أمّ خنّور [٤] ، وسكعت عنك أمّ هوبر [٥] ، أني مستأخذ أشعر في حنادري رطسا ليس كلسب شبوة [٦] ، ولا


[١] هو أبو القاسم هبة الله بن الفضل البغدادي الطبيب، وكان بينه وبين الحيص بيص شنآن وتهاتر، وكانا قد يصطلحان وقتا ثم يعودان إلى ما كانا فيه. والقصة والرسالة في عيون الانباء ١: ٢٨٣- ٢٨٤.
[٢] عيون الانباء ١: ٢٨٤.
[٣] أزكنك: أعلمك وأعرّفك.
[٤] أرجنت: حبست، وأم خنور: الداهية.
[٥] سكعت: ضلت وتحيرت، وأم هوبر: الهوبر: الفهد أو القرد؛ ولعل أم هوبر تعني الداهية.
[٦] الحنادر: جمع حندورة وهي سواد العين؛ الرطس: الضرب؛ واللسب: اللدغ؛ وشبوة: العقرب.

<<  <  ج: ص:  >  >>