للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شيئا إلا وعرضه علي وهو يرى أني أعلم منه وكان أعلم به مني، وأنا اليوم أعلم به منه.

وحكى ثعلب أن الفراء دخل على سعيد بن سلم فقال: قد جاءكم سيد أهل اللغة وسيد أهل العربية، فقال الفراء: أما ما دام الأخفش يعيش فلا.

وحكى الأخفش قال: لما ناظر سيبويه الكسائي ورجع وجّه إليّ فعرّفني خبره معه ومع البغداديين وودعني ومضى إلى الأهواز، فرددت؛ جلست في سميرية حتى وردت بغداد فوافيت مسجد الكسائي، فصليت خلفه الغداة، فلما انفتل من صلاته وقعد في محرابه وبين يديه الفراء والأحمر وابن سعدان سلمت وسألته عن مائة مسألة، فأجاب بجوابات خطأته في جميعها، فأراد أصحابه الوثوب عليّ فمنعهم، ولم يقطعني ما رأيتهم عليه عما كنت فيه، فلما فرغت من المسائل قال لي الكسائي بالله أنت أبو الحسن سعيد بن مسعدة؟ قلت: نعم، فقام إليّ وعانقني وأجلسني إلى جنبه، ثم قال: لي أولاد أحبّ أن يتأدبوا بك ويتخرجوا على يديك وتكون معي غير مفارق لي، فأجبته إلى ذلك، فلما اتصلت الأيام بالاجتماع سألني أن أؤلف له كتابا في معاني القرآن فألفته [١] ، فجعله إماما له وعمل عليه كتابا في المعاني، وعمل الفراء كتابه في المعاني عليهما، وقرأ عليّ كتاب سيبويه سرا ووهب لي سبعين دينارا.

قال أبو حاتم [٢] : أخذ الأخفش كتاب أبي عبيدة في القرآن فأسقط شيئا وزاد شيئا، وجعله لنفسه، وقال: الكتاب لمن أصلحه، وليس الكتاب لمن أفسده.

سأل المؤرّج سعيد بن مسعدة عن قوله تعالى: وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ

ما العلة في سقوط الياء منه، وإنما تسقط عند الجزم؟ فقال: لا أجيبك ما لم تبت على باب داري مدة. قال: فبتّ على باب داره مدّة، ثم سألته، فقال: اعلم أن هذا مصروف على جهته، وكل ما كان مصروفا على جهته فإن العرب تبخس حظه من الإعراب نحو قوله: وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا

أسقط الهاء لأنها مصروفة من فاعلة إلى فعيل. قلت:

وكيف صرفه؟ قال: الليل لا يسري، وإنما يسرى فيه.

قيل: أدّب الأخفش أولاد المعدل بن غيلان العبدي فكتب الأخفش إلى


[١] نشر في جزءين بتحقيق د. فائز فارس، الكويت ١٩٨١.
[٢] من هنا حتى آخر الشعر مزيد من المختصر.

<<  <  ج: ص:  >  >>