فبلغ بيته بشارا فغضب وقال: سار والله بيت سلم وخمل بيتنا، وكان الأمر كذلك، لهج الناس ببيت سلم ولم ينشد بيت بشار أحد، فكان ذلك سببا للنفور بينهما، فكان سلم بعد ذلك يقدّم أبا العتاهية ويقول: هو أشعر الجنّ والانس، إلى أن قال أبو العتاهية يخاطب سلما [١] :
تعالى الله يا سلم بن عمرو ... أذلّ الحرص أعناق الرجال
هب الدنيا تصير إليك عفوا ... أليس مصير ذلك للزوال
فلما بلغ ذلك سلما غضب على أبي العتاهية وقال: ويلي على الجرّار بن الفاعلة الزنديق، زعم أني حريص وقد كنز البدر وهو لا يزال يطلب وأنا في ثوبيّ هذين لا أملك غيرهما، ثم كتب إليه:
ما أقبح التزهيد من واعظ ... يزهّد الناس ولا يزهد
لو كان في تزهيده صادقا ... أضحى وأمسى بيته المسجد
ورفض الدنيا ولم يلقها ... ولم يكن يسعى ويسترفد
يخاف أن تنفد أرزاقه ... والرزق عند الله لا ينفد
الرزق مقسوم على من ترى ... يناله الأبيض والأسود
كلّ يوفّى رزقه كاملا ... من كفّ عن جهد ومن يجهد
وذكر من اقتدار سلم الخاسر على الشعر أنه اخترع شعرا على حرف واحد ولم يسبق إلى مثل ذلك لأن أقل شعر العرب على حرفين نحو قول دريد بن الصمة:
يا ليتني فيها جذع ... أخبّ فيها وأضع
فقال سلم الخاسر لأمير المؤمنين موسى الهادي شعرا على ضرب واحد منه: