للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فضحك المهدي أكثر من ضحكه الأول. ثم قال: إيه. قلت: والغسال قائم، وقرزومه بيده رافع له، وقد فلق رأس الملك والدم يسيل، وقد حضر العشاء وأفاق الملك والغسال بعينه، فلما رآه قائما بقرزومه تغاشى، فلم يزل كذلك، فلما طال به المكث، وحضر المساء، رفع رأسه إلى الغسّال فقال له: ويلك أيّ ضرباتك هذه؟

قال: هذه الهوينا. قال: فازداد المهدي ضحكا، واستزادني في الحديث. قلت:

فقال الملك في نفسه: هذه أهون ضرباته، فإن عاودني بأشدّ منها قتلني. فرفع رأسه متحاملا، وقال: قد رأيته حين سجد، ولكني أردت أن استخرجه وأعلم طاعته، اذهب يا غسّال فقد سوغتك ما وهبت لك، ولك عشرة آلاف درهم أخرى على أن لا تضربني الضربتين. فقال الغسال: لا والله لا أبطلها ما سجدت للصنم، فاما أن تبطله أو تقضي حاجتي. فقال الملك لجلسائه: ما ترون؟ قالوا: الرأي الوفاء. فلما علم الملك أن لا منجى له من الغسّال، قال لجلسائه قد كان أبي تقدم إلي وقال: إن رابك من أمر الصنم ريب فاكسره. فأمر بكسره وإبطال السنة. قال: والغسال قائم بقرزومه. فقال له: اخرج عني، ما قيامك؟ قال: العشرة آلاف الأخرى. قال:

اعطوه، لا بارك الله له فيها. قال: بلى والله، [ ... ] والمهدي يضحك ويتعجب، ويقول له إيه، فضرب الغسّال رأس الملك وكسر صنمه، وانصرف سالما؟! قلت:

نعم، أعز الله الأمير. قال: كم كان أمر لك أمير المؤمنين سمّ عداه ولا تسمّ حقه.

قال: قلت بألفين، قال: فأمر لي بألف دينار، وقال لي لولا أني أكره أن أبلغ عطية أمير المؤمنين فأساويه ما قصرت بك عنها إن سألك أمير المؤمنين ليكون أعذر لي عنده. قال: وأمر لي بكسوة وحملان، ثم قال: لا تغبّني يوما واحدا، قلت: أفعل أعز الله الأمير. فكنت إذا جئته بعد ذلك أكاد أن أحمل أنا ودابتي حتى ندخل، فقلت في نفسي: أنت هاهنا والله لأوسعنّك من هذا، ولأوسعنّ معاشي معك. قال:

فما خرجت من عنده يوما إلا بصلة أو تحفة من طيب ولطف وغيرهما. فكنت في خلال ذلك أشوبه ببعض ما أمرت به فيهشّ له قلبه، وانتفعت به وبالمنصور.

<<  <  ج: ص:  >  >>