سكينة وأبو محمد ابن الأخضر، وكان ثقة في الحديث صدوقا نبيلا حجة، إلا أنه لم يكن في دينه بذاك، وكان بخيلا متبذّلا في ملبسه وعيشه، قليل المبالاة بحفظ ناموس العلم، يلعب بالشطرنج مع العوام على قارعة الطريق، ويقف في الشوارع على حلق المشعوذين واللاعبين بالقرود والدّباب، كثير المزاح واللعب طيب الأخلاق، سأله شخص وعنده جماعة من الحنابلة: أعندك كتاب الجبال؟ فقال له:
يا أبله أما تراهم حولي؟! وسأله آخر عن القفا يمد أو يقصر فقال له: يمد ثم يقصر.
وقرأ عليه بعض المعلّمين قول العجاج:
أطربا وأنت قنسريّ ... وإنما يأتي الصّبا الصبّيّ
فقال وإنما يأتي الصبيّ الصّبي، فقال له ابن الخشاب: هذا عندك في المكتب وأما عندنا فلا، فخجل المعلّم وقام.
وكان يتعمم بالعمامة فتبقى مدة على حالها حتى تسودّ مما يلي رأسها وتنقطع من الوسخ، وترمي عليها الطيور ذرقها. ولم يتزوّج قط ولا تسرّى. وكان إذا حضر سوق الكتب وأراد شراء كتاب غافل الناس وقطع منه ورقة وقال: إنه مقطوع ليأخذه بثمن بخس، وإذا استعار من أحد كتابا وطالبه به قال: دخل بين الكتب فلا أقدر عليه.
وصنف: شرح الجمل للزجاجي. وشرح اللمع لابن جنّي لم يتم. والردّ على ابن بابشاذ في شرح الجمل. والردّ على الخطيب التبريزي في «تهذيب إصلاح المنطق» . وشرح مقدمة الوزير ابن هبيرة في النحو، يقال إنه وصله عليها بألف دينار. والردّ على الحريري في مقاماته «١» .
توفي عشية يوم الجمعة ثالث رمضان سنة سبع وستين وخمسمائة، ووقف كتبه على أهل العلم، ورؤي بعد موته بمدة في النوم على هيئة حسنة فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي، قيل: ودخلت الجنة؟ قال: نعم إلا أن الله أعرض عني، قيل: أعرض عنك؟ قال: نعم، وعن كثير من العلماء ممن لا يعمل بعلمه.