فاعله، كالولد من ناجله، لا يخلو الفعل من علامة الفاعل، في لفظ كل قائل، وهي الفتحة من ماضيه وواقعه، والزوائد في مستقبله ومضارعه، وبيان ذلك أن الفتحة من ماضيه لا تكون مع التاء والنون تقول: أخرج فتثبت الفتحة، ثم تقول: أخرجت وأخرجنا، فيسقط ما ذكرنا، وعلامتان لمعنى محال، لا يوجبهما الحال، فإن كانت النون التي مع الألف ضمير المفعول عادت الفتحة، فتقول: أخرجنا الأمير، فهذا بيّن منير. فصفقت الجماعة وشمحت، وحسّنت وبخبخت، وجعل الأديب يضطرب اضطراب العصفور، ويتقلب تقلب المصغور، متيقنا أنّ أسده صار جرذا، وبازيه عاد صردا، ودرره انقلبت مخشلبا، وزيتونه تحوّل غربا، وقناه تغيّر قصبا، وأن مستقيمه تعوّج، وجيده تبهرج، وصحيحه تدحرج، وجديده تكرّج، فقال منشدهم:
ترى الرجل النحيف فتزدريه ... وتحت ثيابه أسد مزير
ويعجبك الطرير فتبتليه ... فيخلف ظنك الرجل الطرير
فما عظم الرجال لهم بفخر ... ولكن فخرهم كرم وخير
فأخذه الإبلاس، وضاقت به الأنفاس، وسكنت منه الحواس، ورفضه الناس، وجعل ينكت الأرض، ويواصل بكفّه العضّ، ويتشاءم ببومه، ويعود على نفسه بلومه، يمسح جبينه، ويكثر أنينه، فقمت فقامت معي الجماعة وتركته، واستهانت به وفركته، فلما بقي وحده، تمنّى لحده، وأسبل دمعته، وود أن الأرض بلعته:
وكان كمثل البوّ ما بين روّم ... تلوذ بحقويه السّراة الأكابر
فأصبح مثل الأجرب الجلد مفردا ... طريدا فما تدنو إليه الأباعر
فقام فتبعني، ووقف وودّعني، وأطال الاعتذار، وأظهر التوبة والاستغفار، وقال: مثلك من ستر الخلل، وأقال العثرة والزلل، فقد اغتررت من سنك بالحداثة، ومن أخلاقك بالدماثة. فقلت: كل ذلك مفهوم معلوم، وأنت فيه معذور لا ملوم، وما جرى بيننا فهو منسيّ غير مذكور، ومطوي غير منشور، ومخفيّ غير مشهور:
[وجدال] أهل العلم ليس بقادح ... ما بين غالبهم إلى المغلوب
ثم سكت فما أعاد، ونزلت وعاد، وكان ذلك أول عهد به وآخره، وباطن لقاء وظاهره، وكلّ اجتماع وسائره.