للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إني أخاف أن لا يرضى به القوم، فقال الفاضل: يا أمير المؤمنين أنت ألبسه وأجلسه وهو يبذل الأموال ويصلح حال الرجال، ففعل ذلك. وخرج الناس وعلى صلاح الدين الأخضر من دون الجماعة فعرفوا أنه صاحب الأمر، وساعدته السعادة فلم يقل أحد كلمة، وفرّق خزائن شيركوه، وعامل الناس بالإحسان، وبذل المال فأحبّوه، وتمّ أمره وصار القبض والبسط إلى الفاضل. وفوّض صلاح الدين إليه أمور دولته وصار لا يصدر إلّا عن رأيه، واستنابه في جميع أموره، ورعى له تلك الحال، فجرى في تصاريفه على أحسن قانون، وأحسن إلى أرباب البيوت، وجمع كتبا مشهورة بلغني أنها تكون سبعين ألف مجلد في فنون العلم وأنواعه. وأما ابن بنان الذي كان السبب فى خلاصه وعلوّ منزله فإنه اطّرح في دولة بني شادي حتى احتاج إلى الناس، فدخل يوما إلى الفاضل وقد انقادت الدولة لأمره ونهيه، فعدّد إحسانه إليه واشتماله في الدولة الذاهبة عليه، فاعترف الفاضل بذلك واستخلص له رزقا كان يقوم عليه إلى أن مات.

وكان القاضي الفاضل شابا مليحا من أظرف الرجال، فلما كانت وقعة الباب بين شيركوه وشاور بالصعيد، نفرت به فرسه فوقع على ظهره على قربوس السرج فأوهنه، فلما رجع إلى القاهرة عمل عليه وكان يمرّضه ويداويه وقد مدّ وانتفخ، فلما كان يوم جلوسه بين يدي أسد الدين وهو يكتب انفجرت عليه وهو بين يديه فما راعه إلّا والمدّة والدم يسيلان بين يديّ أسد الدين، فارتاع من ذلك وقال: احملوه ورقّ له وعولج وانفسدت إحدى خرزات ظهره ثم اندملت وكانت له حدبة، وفي ذلك يقول ابن عنين:

قد أصبح الملك ما له سبب ... في الناس إلّا البغاء والحدب

سلطاننا أعرج وكاتبه ... ذو عمش والوزير منحدب

معايب كلّها لو اجتمعت ... في فلك لم تحلّه الشّهب

<<  <  ج: ص:  >  >>