قد بحت بالحبّ ما تخفيه من أحد ... حتى جرت بك أطلاقا محاضير «١»
تبغي أمورا فما تدري أعاجلها ... خير لنفسك أم ما فيه تأخير
فاستقدر الله خيرا وارضينّ به ... فبينما العسر إذ دارت مياسير
وبينما المرء في الأحياء مغتبطا ... إذ صار في الرمس تعفوه الأعاصير
حتى كأن لم يكن إلا تذكّره ... والدهر أيتما حال دهارير
يبكي الغريب عليه ليس يعرفه ... وذو قرابته في الحيّ مسرور
وذاك آخر عهد من أخيك إذا ... ما المرء ضمنه اللحد الخناسير
(الواحد خنسير والجمع الخناسير ويقال الخناسرة وهم الذين يتبعون الجنازة)«٢» فقال رجل إلى جانبي يسمع ما أقول: يا عبد الله من قائل هذه الأبيات؟
قلت: والذي أحلف به ما أدري إلا أني «٣» قد رويتها منذ زمان، قال: قائلها الذي دفنّاه آنفا، وأنا هذا ذو قرابته أسرّ الناس بموته، وانك للغريب الذي وصف تبكي عليه، قال: فعجبت لما ذكر في شعره والذي صار إليه من قوله، كأنه كان ينظر إلى موضع قبره، فقلت: إن البلاء موكل بالمنطق.
قال المؤلف: وذكره محمد بن إسحاق النديم في «كتاب الفهرست» فقال:
عبيد بن شرية الجرهمي أدرك النبي صلّى الله عليه وسلّم ولم يسمع منه شيئا، ووفد على معاوية بن أبي سفيان فسأله عن الأخبار المتقدمة وملوك العرب والعجم وسبب تبلبل الألسنة وأمر افتراق الناس في البلاد، وكان استحضره من صنعاء اليمن، فأجابه بما أمر به معاوية أن يدوّن وينسب إلى عبيد بن شرية، ثم عاش عبيد إلى أيام عبد الملك بن مروان. وله من الكتب: كتاب الأمثال. كتاب الملوك وأخبار الماضين.
وقال غير النديم: كان عبيد بن شرية يروي عن الكيس النمري وابنه زيد بن الكيس وعن الكسير الجرهمي وعبد ودّ الجرهمي.