وأما تلقيبه بورش فقيل إنما لقّب به لأنه كان في حداثة سنّه رآسا «١» ثم إنه اشتغل بقراءة القرآن وتعلّم العربية ورحل إلى المدينة فقرأ بها على نافع القرآن، وكان أزرق أبيض اللون قصيرا ذا كدنة، وكان نافع يلقبه بالورشان وهو طائر معروف لأنه كان على قصره يلبس ثيابا قصارا فكان إذا مشى بدت رجلاه مع اختلاف ألوانه، وكان نافع يقول له: اقرأ يا ورشان وهات يا ورشان وأين الورشان، ثم خفّف فقيل ورش ولزمه ذلك حتى صار لا يعرف إلّا به؛ وقيل إن الورش شيء يصنع من اللبن لقّب به لبياضه.
وحدث الحافظ بإسناده ورفعه إلى محمد بن سلمة العثماني قال، قلت لأبي سلمة: أكان بينك وبين ورش مودة؟ قال: نعم. قلت: كيف كان يقرأ «٢» ورش على نافع؟ قال قال لي ورش: خرجت من مصر إلى المدينة لأقرأ على نافع، فإذا هو لا تطاق القراءة عليه من كثرة أبناء المهاجرين والأنصار، وإنما يقرأ ثلاثين آية، فجلست خلف الحلقة فقلت لانسان: من أكبر الناس عند نافع؟ فقال: كبير الجعفريين، قال قلت: فكيف لي به؟ قال: أنا أجيء معك إلى منزله، فقام الرجل معي حتى جاء إلى منزل الجعفري «٣» ، فدقّ الباب، فخرج إلينا شيخ تامّ من الرجال، قال فقلت: أعزك الله أنا رجل من مصر جئت لأقرأ على نافع فلم أصل إليه، وأخبرت أنك من أصدق الناس له، وأنا أريد أن تكون الوسيلة إليه، فقال: نعم وكرامة، وأخذ طيلسانه ومضى معنا إلى منزل نافع، وكان نافع له كنيتان: كان يكنى بأبي رويم وأبي عبد الله فبأيتهما نودي أجاب، فقال له الجعفري: إن هذا وسّلني إليك، جاءك من مصر ليقرأ عليك ليس معه تجارة ولا جاء لحجّ إنما جاء للقراءة خاصة، فقال نافع لصديقه الجعفري: هلّا «٤» ترى ما ألقى من ولد المهاجرين والأنصار؟ قال فقال له صديقه:
تحتال له، فقال له نافع: يمكنك أن تبيت في المسجد؟ قال قلت: نعم إنما أنا إنسان غريب، قال: فبتّ في المسجد، فلما كان الفجر تقاطر الناس ثم قالوا: قد جاء نافع، فلما أن قعد قال: ما فعل الغريب؟ قال قلت: هذا أنا رحمك الله، قال قال: أبتّ في المسجد؟ قلت: نعم، قال: فأنت أولى بالقراءة، قال: وكنت مع