وثمانين وثلاثمائة وهو ابن اثنتين وسبعين سنة إلا شهرا.
قال: وأصل آبائه من قرية منت ليشم من إقليم الزاوية من عمل أونبة من كورة لبلة من غرب الأندلس، وسكن هو وآباؤه قرطبة ونالوا فيها جاها عريضا. وكان أبو عمر أحمد بن سعيد بن حزم أحد العلماء من وزراء المنصور محمد بن أبي عامر ووزراء ابنه المظفر بعده والمدبرين لدولتيهما، وكان ابنه الفقيه أبو محمد وزيرا لعبد الرحمن المستظهر بالله بن هشام بن عبد الجبار بن عبد الرحمن الناصر لدين الله ثم لهشام المعتد بالله بن محمد بن عبد الملك بن عبد الرحمن الناصر، ثم نبذ هذه الطريقة وأقبل على قراءة العلوم وتقييد الآثار والسنن فعني بعلم المنطق وألّف فيه كتابا سماه «كتاب التقريب لحدود المنطق» بسط فيه القول على تبيين طرق المعارف، واستعمل فيه مثلا فقهية وجوامع شرعية، وخالف أرسطاليس واضع هذا العلم في بعض أصوله مخالفة من لم يفهم غرضه ولا ارتاض في كتبه، فكتابه من أجل هذا كثير الغلط بيّن السقط، وأوغل بعد هذا في الاستكثار من علوم الشريعة حتى نال منها ما لم ينله أحد قطّ بالأندلس قبله، وصنّف فيه مصنفات كثيرة العدد شرعية المقصد معظمها في أصول الفقه وفروعه على مذهبه الذي ينتحله وطريقه الذي يسلكه، وهو مذهب داود بن علي بن خلف الأصبهاني ومن قال بقوله من أهل الظاهر ونفاة القياس والتعليل.
قال: ولقد أخبرني ابنه الفضل المكنيّ أبا رافع أن مبلغ تواليفه في الفقه والحديث والأصول والنّحل والملل وغير ذلك من التاريخ والنسب وكتب الأدب والردّ على المعارض نحو أربعمائة مجلد تشتمل على قريب من ثمانين ألف ورقة، وهذا شيء ما علمناه لأحد ممن كان في دولة الإسلام قبله إلا لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري فإنه أكثر أهل الإسلام تصنيفا، فذكر ما ذكرناه في ترجمة ابن جرير من أن أيام حياته حسبت وحسبت تصانيفه فكان لكلّ يوم أربع عشرة ورقة.
ثم قال: ولأبي محمد ابن حزم بعد هذا نصيب وافر من علم النحو واللغة، وقسم صالح من قرض الشعر وصناعة الخطابة.
ذكر أن ابن حزم اجتمع يوما مع الفقيه أبي الوليد سليمان بن خلف بن سعيد بن أيوب الباجي صاحب كتاب «المنتقى» و «الاستغناء» وغيرهما من التواليف، وجرت