وقد كانت الأوائل تشبهه بالقلب في الجسد لأن أرضه هي التي كشفت الآراء عن أهله بحكمة الأمور كما يرتفع ذلك عن القلب، ولذلك اعتدلت ألوان أهله وامتدت أجسامهم، فسلموا من شقرة الروم والصقالبة وسواد الحبشة وغلظ البربر، واجتمعت فيهم محاسن جميع الأقطار. وكما اعتدلوا في الخلقة لطفوا في الفطنة. وأشرف هذه الأقاليم مدينة السلام. وأعزز «١» عليّ بما أصارتني إليه الأقدار من فراق هذا المصر الذي عن بقعته فصلنا، لكنه الدهر الذي من شيمته التشتيت والزمن الذي من شرطته الآفات، ولقد أحسن أبو دلف في قوله:
أيا نكبة الدهر التي طوّحت بنا ... أيادي سبا في شرقها والمغارب
ومن علامة وفاء المرء دوام عهده وحنينه إلى إخوانه، وشوقه إلى أوطانه، ومن علامة الرشد أن تكون النفس إلى مولدها تائقة، وإلى مسقط رأسها شائقة» . فهذا يدلك على أن الرجل بغداديّ الأصل وإنما انتقل إلى ديار مصر فأقام فيها، وهو يحكي في كتبه كثيرا ويقول: رأيت أيام كوني بمصر كيت وكيت.
وله من الكتب: كتاب مروج الذهب ومعادن الجوهر في تحف الأشراف والملوك «٢» . كتاب ذخائر العلوم وما كان في سالف الدهور. كتاب الرسائل. كتاب الاستذكار لما مرّ في سالف الأعصار. كتاب التاريخ في أخبار الأمم من العرب والعجم. كتاب التنبيه والاشراف «٣» . كتاب خزائن الملك وسرّ العالمين. كتاب المقالات في أصول الديانات. كتاب أخبار الزمان ومن أباده الحدثان. وكتاب البيان في أسماء الأئمة. وكتاب أخبار الخوارج.