وحدث المرزباني عن عبد الله بن جعفر عن محمد بن يزيد عن المازني والرياشي عن أبي زيد قال: لما ورد نعي الكسائي من الريّ قال أبو زيد: لقد دفن بها علم كثير بالكسائي. ثم قال: قدم علينا الكسائيّ البصرة فلقي عيسى والخليل وغيرهما وأخذ منهم نحوا كثيرا ثم صار إلى بغداد فلقي أعراب الحطمة فأخذ عنهم الفساد من الخطأ واللحن فأفسد بذلك ما كان أخذه بالبصرة كله. قال عبد الله: وذلك أنّ الكسائي كان يسمع الشاذّ الذي لا يجوز من الخطأ واللحن وشعر غير أهل الفصاحة والضرورات فيجعل ذلك أصلا ويقيس عليه حتى أفسد النحو.
قال أبو عبد الله ابن مقلة حدثني أبو العباس أحمد بن يحيى قال «١» اجتمع الكسائي والأصمعي عند الرشيد وكانا معه يقيمان بمقامه ويظعنان بظعنه، فأنشد الكسائي «٢» :
أم كيف ينفع ما يعطي العلوق به ... رئمان أنف إذا ما ضنّ باللبن
فقال الأصمعي ريمان بالرفع، فقال له الكسائي: اسكت ما أنت وهذا، يجوز رئمان ورئمان ورئمان، ولم يكن الأصمعي بصاحب عربية، فسألت أبا العباس:
كيف جاز ذلك؛ فقال: إذا رفع رفع بينفع أي أم كيف ينفع رئمان أنف، وإذا نصب نصب بيعطي، وإذا خفض ردّه على الهاء في به. قال: والمعنى وما ينفعني إذا وعدتني بلسانك ثم لم تصدقه بفعلك؟ يقال ذلك للذي يبرّ ولا يكون منه نفع، كهذه الناقة التي تشمّ بأنفها مع تمنّع درتها، والعلوق التي قد علق قلبها بولدها، وذلك أنه نحر عنها ثم حشي جلده تبنا أو حشيشا وجعل بين يديها حتى تشمّه وتدرّ عليه، فهي تسكن إليه مرة ثم تنفر عنه ثانية، تشمّه بأنفها ثم تأباه مقلتها، فيقول: فما نفع هذا البوّ إذا تشممته ثم منعت درّتها.
قال أبو العباس: حدثني سلمة قال، قال الفرّاء: مات الكسائي وهو لا يحسن حدّ نعم وبئس ولا حدّ أن المفتوحة ولا حدّ الحكاية، قال فقلت لسلمة: فكيف لم يناظر في ذلك؟ فقال: قد سألته ذلك فقال: أشفقت أن أحادثه فيقول فيّ كلمة