القوم يعزّونه ويطيبون نفسه وهو يظهر حزنا فقالوا: يا أمير المؤمنين وما له قضيت عليه بهذا؟ قال: إنه حدثني أنه لقي رجلا من الأعراب عالما غزير العلم بموضع يقال له ذو النخيلة، قال الكسائي: فكنت أغدو عليه وأروح أمتاح ما عنده، فغدوت عليه غدوة من تلك الغدوات فإذا هو ثقيل ورأيت به علة منكرة، قال: فألقى نفسه وجعل يتنفس ويقول «١» :
قدر أحلّك ذا النخيل وقد ترى ... وأبيّ ما لك ذو النخيل بدار «٢»
إلا كداركم بذي بقر الحمى ... هيهات ذو بقر من المزدار
قال الكسائي: فغدوت عليه صباحا فإذا هو لما به، قال: فدخلت الساعة على الكسائي فإذا هو ينشد هذين البيتين فغمّني ذلك غما شديدا، فكان كما قال، مات من يومه ودفن بمنزله في سكة حنظلة بن نصر بالري سنة اثنتين وثمانين ومائة. وفي غير هذه الرواية زيادة في الشعر:
قالت جمال وكلهنّ جميلة ... ما تأمرون بهؤلا السفّار
قالوا بنو سفر ولم نشعر بهم ... وهم الذين نريد غير تماري
لما اتكأن على الحشايا مضمضت ... بالنوم أعينهنّ بعد غرار
وكانت وفاته برنبويه «٣» ، كورة من كور الري، هو ومحمد بن الحسن الفقيه في وقت واحد، وكانا خرجا مع الرشيد إليها، فقال الرشيد: دفنت الفقه والنحو برنبويه، فقال أبو محمد اليزيدي يرثيهما «٤» :
تصرّمت الدنيا فليس خلود ... وما قد ترى من بهجة سيبيد
سيفنيك ما أفنى القرون التي مضت ... فكن مستعدّا فالفناء عتيد