لئن جئت ذا بشر حالك ... لقد جئت ذا نسب أبرش
وما واحد جاء من أمه ... بأعجب من ناقد أخفش
كأنّ سنا الشتم في عرضه ... سنا الفجر في السحر الأغبش
أقول وقد جاءني أنّه ... ينوش هجائي مع النوّش
إذا عكس الدهر أحكامه ... سطا أضعف القوم بالأبطش
وما كلّ من أفحشت أمه ... تعرّض للمقذع الأفحش
وهي قصيدة طويلة. ولما سار هجاؤه في الأخفش جمع الأخفش جماعة من الرؤساء، وكان كثير الصديق، فسألوا ابن الرومي أن يكفّ عنه فأجابهم إلى الصفح عنه، وسألوه أن يمدحه بما يزيل عنه عار هجائه فقال فيه «١» :
ذكر الأخفش القديم فقلنا ... إن للأخفش الحديث لفضلا
فإذا ما حكمت والروم قومي ... في كلام معرّب كان عدلا
أنا بين الخصوم فيه غريب ... لا أرى الزور للمحاباة أهلا
ومتى قلت باطلا لم ألقب ... فيلسوفا ولم أسمّ هرقلا
وذكر الزبيدي أن الأخفش كان يتحفّظ هجاء ابن الرومي له ويمليه في جملة ما يملي، فلما رأى ابن الرومي أنه لا يألم لهجائه ترك هجوه.
وكان الأخفش قد قرأ على ثعلب والمبرد وأبي العيناء واليزيدي.
وحدث الأخفش قال «٢» : استهدى إبراهيم بن المدبر المبرد جليسا يجمع إلى تأديب ولده الاستمتاع بايناسه ومفاكهته، فندبني إليه وكتب معي: قد أنفذت إليك أعزك الله فلانا وجملة أمره:
إذا زرت الملوك فان حسبي ... شفيعا عندهم أن يخبروني
وقدم الأخفش هذا مصر في سنة سبع وثمانين ومائتين وخرج منها سنة ثلاثمائة إلى حلب مع علي بن أحمد بن بسطام صاحب الخراج فلم يعد إلى مصر.