للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فشانها، فأصبحت بعد الجسم الممسّد، والاسم الرائق المفرد، ذات البنائق والأركان، وصاحبة الدّخارص والجربّان؛ هذا وكيف تكون بختامها وعنده من كبدها فلذة، وفي خزائنه من أعضائها فضلة، وعلى ذلك فالشكر عنها مبذول، وحبل الثناء بها موصول، والسلام.

قال: فلما كان من الغد التقينا في دار القسيم فقال: لعنك الله فإنك كافر للنعمة، ولعنني حيث تعرضت بك في الكتابة، وقد أنفذت إليك فضلة الثوب، لا بارك الله لك فيه ولا فيها.

قال ابن نصر: وهذا الخبر عكس ما لحقني مع أبي عمرو سعيد بن سهل العارض، فإنه دخل يوما إلى دار الوزارة بالبصرة وجلس ينتظر الاذن، فقلت لغلامي:

امض إلى أبي العباس الكوفي البزاز وخذ منه الثوب السقلاطون المعمّد الذي عزلته للدراعة، وأذن لأبي عمرو، فدخل وما ظننته تسمع عليّ، ومضى الغلام فلم يصادف البزاز، وانصرفت آخر النهار إلى داري وإذا فيها دراعة سقلاطون معمدة في نهاية الحسن، فسألت عنها فقيل: جاء رجل وقال أنا صاحب أبي عمرو العارض، خذوا هذه الدراعة، قلت: وكان معها رقعة؟ قيل: لا. فكتبت إليه من الغد: للفواضل- أطال الله بقاء الأستاذ الرئيس- فضائل تتميز بها وتستطيل بمكانها على أضرابها منها:

أن ترد بكرا لم يفترعها السّؤال، وتقطع عرضا لم تحتسبها الآمال، فتلك الشربة العذبة للظامي، وإصابة الشاكلة عند الرامي، كتحفته التي جاءت مسيّرة كالجداول، مذهّبة كالأصائل، معدّلة بحسن التقدير والتوفيق، منزّهة عن فحش السّعة والضيق، محلولة الجيب والجيوب مزرورة، مكشوفة الفرج والفروج مستورة، فهي من بدائع صورها، ووشائع حبرها، كالرياض الرائعة، والبروق اللامعة، سلكها دقيق، ومنظرها أنيق، كأنما عدّلت بمعيار، أو دبّر ذيلها على بركار، لابسها مختال، ومانحها مفضال، قد سيّرها بفضله المكتوم، وشهّرها بعرفه النموم، فطويتها طيّ المكرم الضنين، ونشرت الشكر عنها نشر الخاطب المبين، وأفردتها عن أشكالها وإن عزّ المشاكل، وجعلتها زينة للمواكب والمحافل، والله تعالى يزيده كرما وفضلا، ويجعله لادّخار كلّ منقبة أهلا، إنه على كل شيء قدير.

قال أبو الحسن علي بن محمد بن نصر حدثني أبو القاسم عبد الواحد بن محمد

<<  <  ج: ص:  >  >>