علي بن نصر يستبطئه ويقتضيه ويحثّه على المهادنة: ما سلك العالم الأوحد- حرس معهوده- العادة، ولا عمل عمل السادة، رام أمرا ما حصّله، وحكم حكما ما عدّله، ووعد وعدا لواه، وحدّ حدا عداه، وسدّى وما ألحم، وأورد وما أصدر، وسار مهملا أمره، وطار مسلما وكره، لا الكلام أسعده، ولا الكلال أمهله، هاله الأمر وراعه، وعصاه المرام وما أطاعه، محادّة له علم معها مآل الصورة، وعمل لها عمل الصرورة، هاك الساعة الموادعة حصّلها، وأحلّها صدرك واحرسها، وصرّها دهرك واعكمها، ودع المراماة وراءك، وسرح المصالحة أمامك، وهلّم السّلم، والسلام.
قال ابن نصر: كتب إليّ أبو طاهر علي بن الحسين عزّ الأستاذين من بعض أسفاره: من علامات المؤانسة، ودلالات المجالسة، التكاتب في السفر، والتزاور في الحضر، وأنت بهما حريّ، ومنهما عمر الله بريّ:
ولو كنت أدري أن ذا البين كائن ... لعاصيت عذالي وخالفت نصّاحي
وما كنت أعطي البين صفقة بائع ... ولو أن إدراك المنى بعض أرباحي
قضاء من الرحمن ما اسطعت ردّه ... وليس لأمر خطّه الله من ماح
قال أبو الحسن: كنت أكاثر أبا الفرج عبد الواحد بن نصر الببغا وأزوره دائما مع القاضي أبي محمد أخي رحمه الله، فتأخرنا عنه لشغل عرض لنا، وكتب إلينا:
ذخرت أبي نصرا لحظّ أناله ... فبلغني أقصى المنى ببني نصر
وجدتهم الذخر القديم ولم أكن ... عملت بأن الذخر يعزى إلى الدهر
واستمر بنا الابطاء عنه فكتب إلينا رقعة أولها:
بني علي بن نصر ... دعاء باسط عذر
أسرفتم في وصالي ... وليس يحسن هجري
إن رأيتما- جعلت فداءكما- أن تبرئا رمد طرفي بالنظر إليكما فعلتما، فحضرناه، وقلت له: يا سيدي، ذكرتني لعمرك هذه أبيات أبي فراس التي كتب بها من الأسر إلى ولدي سيف الدولة «١» :