في ذلك كله كان ينظر إليّ ويقصدني بالكلام ويريد العبث بي، فتركته حتى أطنب في هذا المعنى وبلغ منه ما أراد ثم قلت له: يا أمير المؤمنين أليس من أهدى مثل هذا الفرس عندك ذا همة وقدر؟ قال: بلى، قال قلت: فأبعد همة وأرفع قدرا من حمله عليه. قال: ومن حمله عليه؟ قال قلت: أنا حملته عليه. قال فقال: يا عافية ما يقول عليّ؟ قال فقال: صدق يا أمير المؤمنين هو حملني عليه، قال: فانكسر عني ثم أقبل على الفتح خجلا، وسربت الحال بيني وبين عافية حتى هجاه من كان يطيف به من الشعراء، فقال فيه أبو عبد الله أحمد بن أبي فنن، وكنت أدخلته على المتوكل وجالسه وشكر لي ذلك إذ كفره عافية:
ستعلم أنّ لؤم بني تميم ... سيظهر منه للناس الخفيّ
وما إن ذاك أنك من تميم ... ولكن ربما جرّ الدعيّ
وقال فيه أبو هفان:
لو كنت عافية لكنت محببا ... في العالمين كما تحبّ العافيه
وقال فيه أبو الحسن البلاذري:
من رآه فقد رأى ... عربيا مدلّسا
ليس يدري جليسه ... أفسا أم تنفّسا
وقال فيه أبو العنبس الصيمري:
أبا حسن بمنصبك الصميم ... أتأذن في السّلاح على التميمي
فو الرحمن لولا ألف سوط ... لفارق روحه روح النسيم
وهجاه أبو الحسن علي بن يحيى المنجم فقال:
أأهجو تميما أن تعرّض ملصق ... إليها دعيّ قد نفته قرومها
فآخذها طرّا بذنب دعيّها ... فأين نهى قومي وأين حلومها
وما في دعيّ القوم ثأر لثائر ... ولم يقترف ذنبا فيهجى صميمها
أعافي إنّ اللؤم منك سجية ... وشرّ خلال الأدعياء قديمها
قال أبو الحسن: وترقى به الأمر في منابذتي إلى أن ادّعى في يوم من الأيام بحضرة المتوكل أنه أحسن مروءة مني، فقال الفتح: فمحنة هذا سهلة، يوجّه أمير