فرأيت شيخا هما، فسألته عن سبب اجتماعه مع أبي عثمان، ولم يقع أبو عثمان إلى الأندلس فقال: كان طالب العلم بالمشرق يشرف عند ملوكنا بلقاء أبي عثمان، فوقع إلينا «كتاب التربيع والتدوير» له فأشاروا إليه، ثم أردفه عندنا «كتاب البيان والتبيين» له فبلغ الرجل الصّكاك «١» بهذين الكتابين، قال: فخرجت لا أعرّج على شيء حتى قصدت بغداد، فسألت عنه فقيل هو بسرّ من رأى، فأصعدت إليها، فقيل لي قد انحدر إلى البصرة، فانحدرت إليها وسألت عن منزله فأرشدت، ودخلت إليه فإذا هو جالس وحواليه عشرون صبيا ليس فيهم ذو لحية غيره، فدهشت فقلت: أيكم أبو عثمان؟ فرفع يده وحرّكها في وجهي وقال: من أين؟ قلت: من الأندلس، فقال:
طينة حمقاء، فما الاسم؟ قلت: سلام، قال: اسم كلب القراد، ابن من؟ قلت:
ابن زيد «٢» ، قال: بحقّ ما صرت، أبو من؟ قلت: أبو خلف، قال: كنية قرد زبيدة، ما جئت تطلب؟ قلت: العلم، قال: ارجع بوقت فانك لا تفلح، قلت له:
ما أنصفتني، فقد اشتملت على خصال أربع: جفاء البلدية، وبعد الشقة، وغرة الحداثة، ودهشة الداخل، قال: فترى حولي عشرين صبيا ليس فيهم ذو لحية غيري ما كان يجب أن تعرفني بها؟ قال: فأقمت عليه عشرين سنة.
وهذا فهرست كتب الجاحظ: كتاب الحيوان وهو سبعة أجزاء، وأضاف إليه كتابا آخر سماه كتاب النساء وهو الفرق فيما بين الذكر والأنثى، وكتابا آخر سماه كتاب البغل «٣» ، قال ابن النديم: ورأيت أنا هذين الكتابين بخط زكرياء بن يحيى، ويكنى أبا يحيى، وراق الجاحظ، وقد أضيف إليه كتاب سموه كتاب الابل ليس من كلام الجاحظ ولا يقاربه.
وكتاب الحيوان ألفه باسم محمد بن عبد الملك الزيات، قال ميمون بن هارون: قلت للجاحظ: ألك بالبصرة ضيعة؟ فتبسم وقال: إنما أنا وجارية، وجارية تخدمها، وخادم وحمار، أهديت كتاب الحيوان إلى محمد بن عبد الملك فأعطاني