للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أبو زيد البلخي: ما أحسن ما قال الجاحظ: عقل المنشىء مشغول، وعقل المتصفح فارغ.

وقال المرزباني باسناده عن المبرد، سمعت الجاحظ يقول لرجل آذاه: أنت والله أحوج إلى هوان، من كريم إلى إكرام، ومن علم إلى عمل، ومن قدرة إلى عفو، ومن نعمة إلى شكر.

وقال الجاحظ في أبي الفرج نجاح بن سلمة يسأله إطلاق رزقه من قصيدة:

أقام بدار الخفض راض بخفضه ... وذو الحزم يسري حين لا أحد يسري

يظنّ الرضى شيئا يسيرا مهوّنا ... ودون الرضى كأس أمرّ من الصبر

سواء على الأيام صاحب حنكة ... وآخر كاب لا يريش ولا يبري

خضعت لبعض القوم أرجو نواله ... وقد كنت لا أعطي الدنية بالقسر

فلما رأيت المرء يبذل بشره ... ويجعل حسن البشر واقية الوفر

ربعت على ظلعي وراجعت منزلي ... فصرت حليفا للدراسة والفكر

وشاورت إخواني فقال حليمهم ... عليك الفتى المريّ ذا الخلق الغمر

أعيذك بالرحمان من قول شامت ... «أبو الفرج المأمول يزهد في عمرو»

ولو كان فيه راغبا لرأيته ... كما كان دهرا في الرخاء وفي اليسر

أخاف عليك العين من كلّ حاسد ... وذو الودّ منخوب الفؤاد من الذعر

فإن ترع ودّي بالقبول فأهله ... ولا يعرف الأقدار غير ذوي القدر

وحدث يموت بن المزرع قال: وجه المتوكل في السنة التي قتل فيها أن يحمل إليه الجاحظ من البصرة، فقال لمن أراد حمله: وما يصنع أمير المؤمنين بامرئ ليس بطائل، ذي شق مائل، ولعاب سائل، وفرج بائل، وعقل حائل؟! وحدث المبرد قال:

دخلت على الجاحظ في آخر أيامه فقلت له: كيف أنت؟ فقال: كيف يكون من نصفه مفلوج لو حزّ بالمناشير ما شعر به، ونصفه الآخر منقرس لو طار الذباب بقربه لآلمه، وأشد من ذلك ست وتسعون سنة أنا فيها، ثم أنشدنا:

أترجو أن تكون وأنت شيخ ... كما قد كنت أيام الشباب

<<  <  ج: ص:  >  >>