قال: فاستعبر عبد الله ورقّ له وجرت دموعه وقال له: والله إني لضنين بمفارقتك شحيح على الفائت من محاضرتك، ولكن والله لا أعملت معي خفّا ولا حافرا إلا راجعا إلى أهلك، ثم أمر له بثلاثين ألف درهم، فقال يمدح عبد الله وأباه:
يا ابن الذي دان له المشرقان ... وألبس الأمن به المغربان
إنّ الثمانين وبلّغتها ... قد أحوجت سمعي إلى ترجمان
وأبدلتني بالشّطاط انحنا ... وكنت كالصّعدة تحت السنان
وعوّضتني من زماع الفتى ... وهمتي همّ الهجان الهدان
وقاربت منّي خطى لم تكن ... مقاربات وثنت من عنان
وأنشأت بيني وبين الورى ... عنانة من غير نسج العنان
ولم تدع فيّ لمستمتع ... إلا لساني وبحسبي لسان
أدعو به الله وأثني به ... على الأمير المصعبيّ الهجان
وهمت بالأوطان وجدا بها ... وبالغواني أين مني الغوان
فقرّباني بأبي أنتما ... من وطني قبل اصفرار البنان
وقبل منعاي إلى نسوة ... أوطانها حرّان والرّقّتان
سقى قصور الشاذياخ الحيا ... من بعد عهدي وقصور الميان
فكم وكم من دعوة لي بها ... أن تتخطاها صروف الزمان
وهذه قصور بخراسان بناحية نيسابور لآل طاهر.
ثم ودع عبد الله وسار راجعا إلى أهله فمات قبل أن يصل إليهم.
وقد روي في خبر هذه الأبيات أن عوف بن محلم دخل على عبد الله بن طاهر فسلّم عبد الله عليه فلم يسمع، فأعلم بذلك، فزعموا أنه أنحل هذه القصيدة.
وكان «١» قد ورد على عبد الله بن طاهر شاعر يقال له روح، وعرض على عوف شعره فمنعه من إنشاده عبد الله، وقال: إن عبد الله رجل عالم فاضل لا ينفق عليه من الشعر إلا أحسنه، فقال له: قد حسدتني، وتوصّل حتى أنشده عبد الله فاسترذله