للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تقرأه عليّ فهو من خط غيري، فكنت أقرأ عليه منه، وكان فيه ديوان عمران بن حطان. فكان يبكي على مواضع منه، فأنشدته ليلة القصيدة التي فيها البيتان المشهوران «١» :

يا ضربة من تقيّ ما أراد بها ... إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا

إني لأذكره يوما فأحسبه ... أوفى البرية عند الله ميزانا

فبكى عليهما لما انتهيت إليهما حتى كاد يعمى، فاستطرفت ذلك وعجبت منه، فلما كان من الغد اجتمعت مع المفجّع فحدثته بذلك، واغتررت به للأدب واستكتمته إياه، فأشاعه وأذاعه وعمل:

أبو خليفة مطويّ على دخن ... للهاشميين في سرّ وإعلان

ما زلت أعرف ما يخفي وأنكره ... حتى اصطفى شعر عمران بن حطان

وأنشدنيها لنفسه وأنشدها غيري، فكتبها عنه بعض أهل الأدب في رقعة لطيفة وجعلها في مقلمته، وحضرنا عند أبي خليفة في مجلس عام، فنفض الرجل مقلمته وقد أنسي ما فيها فسقطت الرقعة، وانصرف الناس، ووجدها أبو خليفة وقرأها فاستشاط وقال: ابن الايذجي قبحه الله وترّحه أشاط بدمي، عليّ بأبي العباس الساعة، يعني والدي، فجاءه وحدثه الحديث، فوقعت في ورطة وكادت الحال أن تنفرج بيني وبين أبي، ومنعني أبو خليفة القراءة واحتشمني، فحملت إليه ثيابا لها قدر وأهديت إليه من مأكل الجند واعتذرت إليه فرجع إليّ وقبل عذري وعاود تدريسي ومكنني من القراءة عليه، فقرأت «كتاب الطبقات» وغيره مما كان عنده، وقال: لا أظهر الرضى عنك أو تكذب نفسك، ففعلت ذلك، وأعطيت المفجع ثوبا دبيقيا حتى كفّ عن إنشاد الأبيات، وجحدها واعتذر إلى أبي خليفة.

قال وقال أبي على عقيب هذا «٢» : أكثر رواة العرب فيما بلغني عنهم إما خوارج وإما شعوبية، كأبي عبيدة معمر بن المثنى وأبي حاتم سهل السجستاني وفلان وفلان وعدد جماعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>