فمدحه بقصيدة ركيكة غير موزونة تعلّقها بالهجاء أكثر من تعلقها بالمديح، فأعطاه ما أغناه وأعقابه بعده، فشكوت الى ابن ساسان ذلك فقال لي: إفراط العلم مضرّ بالجد، والجدّ والعلم قلما يجتمعان، والكدّ للعلم والجد للجهل، وأنشأ يقول:
إن المقادير إذا ساعدت ... ألحقت العاجز بالحازم
وللصاحب يهجو قابوس:
قد قبس القابسات قابوس ... ونجمه في السماء منحوس
وكيف يرجى الفلاح من رجل ... يكون في آخر اسمه بوس
فأجابه قابوس:
من رام أن يهجو أبا قاسم ... فقد هجا كلّ بني آدم
لأنه صوّر من مضغة ... تجمعت من نطف العالم
قال أبو سعد الآبي في «تاريخه» : في شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعمائة كانت الأخبار تواترت بموت قابوس بن وشمكير، ثم ورد الخبر بأنه لم يمت ولكنه نكب وأزيل عن الملك، وذلك أنه كان قد أسرف في القتل وتجاوز الحد في سفك الدماء، ولم يكن يعرف حدّا في التأديب وإقامة السياسة غير ضرب الأعناق وإماتة الأنفس، وكان يأتي ذلك في الأقرب فالأقرب والأخصّ فالأخص من الجند والحاشية، حتى أفنى جميعهم وأتى على جلهم، وأذل الخيل وأصناف العسكر للرعية وجرأهم عليهم، ولم يتظلّم أحد من أهل البلد من واحد من أكابر عسكره إلا قتله وأتى على نفسه من غير أن يتفحص عن الشكوى أصحيحة أم باطلة، فتبرم به عسكره وحاشيته وخافوا سطوته ولم يأمنوا ناحيته، فمشى بعضهم إلى بعض وتمالأوا عليه وتعاهدوا وتحالفوا، وخفي الأمر لأنه كان خرج إلى حصن بناه وسماه شمراباذ، وعزم القوم أن يتسلقوا عليه ويغتالوه، وقد واطأهم على الأمر جميع من كان معه في الحصن، فتعذّر عليهم الصعود إليه والهجوم عليه، وعلموا أنهم لو قد أصبحوا وقد عرف الخبر لم ينج منهم أحد، فنعوه إلى الناس وذكروا أنه قد قضى نحبه، فانتهبت اصطبلاته وسيقت دوابه وبغاله، ولم يقدر هو على مفارقة الموضع لا عواز الظهور التي تحمل وتنقل عليها