الحديث فإنه اعتمد فيه على كتاب أبي عبيدة في غريب الحديث، وكذلك كتابه في غريب القرآن منتزع من كتاب أبي عبيدة، وكان مع هذا ثقة ورعا لا بأس به ولا بعلمه، [ولعله] سمع من أبي زيد شيئا، وقد أخذت عليه مواضع في «غريب المصنف» . وكان ناقص العلم بالإعراب. وروي أنه قال: عملت كتاب «غريب المصنف» في ثلاثين سنة، وجئت به إلى عبد الله بن طاهر فأمر لي بألف دينار.
وذكره الجاحظ في «كتاب المعلمين» وقال: كان مؤدبا لم يكتب الناس أصحّ من كتبه ولا أكثر فائدة، وبلغنا أنه إذا ألف كتابا حمله إلى عبد الله بن طاهر فيعطيه مالا خطيرا، فلما صنف «غريب الحديث» أهداه إليه فقال: إن عقلا بعث صاحبه على عمل هذا الكتاب لحقيق إلا يحوج إلى طلب معاش، وأجرى له في كل شهر عشرة آلاف درهم. وسمعه منه يحيى بن معين، وكان دينا ورعا جوادا. وسير أبو دلف القاسم بن عيسى إلى عبد الله بن طاهر يستهدي منه أبا عبيد مدة شهرين فأنفذه، فلما أراد الانصراف وصله أبو دلف بثلاثين ألف درهم فلم يقبلها وقال: أنا في جنبة رجل لا يحوجني إلى غيره، فلما عاد أمر له ابن طاهر بثلاثين ألف دينار فاشترى بها سلاحا وجعله للثغر. وخرج إلى مكة مجاورا في سنة أربع عشرة ومائتين فأقام بها إلى أن مات في الوقت المقدم ذكره.
وقال إسحاق بن راهويه: يحب الله الحقّ، أبو عبيد أعلم مني ومن أحمد بن حنبل ومن محمد بن إدريس الشافعي. قال: ولم يكن عنده ذاك البيان إلا أنه إذا وضع وضّح «١» .
ولما قدم أبو عبيد مكة وقضى حجه أراد الانصراف، فاكترى إلى العراق ليخرج في صبيحة غد، قال أبو عبيد: فرأيت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في النوم وهو جالس على فراشه وقوم يحجبونه والناس يدخلون إليه ويسلّمون عليه ويصافحونه، قال: فلما دنوت لأدخل مع الناس منعت، فقلت لهم: لم لا تخلّون بيني وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقالوا: أي والله لا تدخل إليه ولا تسلم عليه وأنت خارج غدا إلى العراق، فقلت لهم: فإني لا أخرج إذن، فاخذوا عهدي «٢» ثم خلّوا بيني وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فدخلت وسلمت