لما أمر الله العباد بشكره ... فقال اشكروا لي أيها الثقلان
قال الحسن بن وهب: بلغ العتابيّ أن عمرو بن مسعدة ذكره عند المأمون بسوء فقال «١» :
قد كنت أرجو أن تكون نصيري ... وعلى الذي يبغي عليّ ظهيري
وطفقت آمل ما يرجّى سيبه ... حتى رأيت تعلقي بغرور
فحضرت قبرك ثم قلت دفنته ... ونفضت كفّي من ثرى المقبور
ورجعت مفتريا على الأمل الذي ... قد كان يشهد لي عليك بزور
فبلغ الشعر عمرا فركب من وقته إلى العتابي في موكبه حتى اعتذر إليه.
قال مالك بن طوق للعتابي «٢» : أما ترى عشيرتك- يعني بني تغلب- كيف تدلّ عليّ وتستطيل وأنا أصبر؟ فقال العتابي: أيها الأمير إن عشيرتك من أحسن عشرتك، وانّ ابن عمّك من عمّك خيره، وإن قريبك من قرب منك نفعه، وإن أحبّ الناس إليك من كان أخفّهم ثقلا عليك، وأنشده:
إني بلوت الناس في حالاتهم ... وخبرت ما وصلوا من الأنساب
فإذا القرابة لا تقرّب قاطعا ... وإذا المودة أوكد الأسباب
وقيل للعتابي: لو تزوجت، فقال: إني وجدت مكابدة العفة خيرا من الاحتيال لمصلحة العيال.
وما أحسن قول العتابيّ وأحكمه «٣» :
لوم يعيذك من سوء تقارفه ... أبقى لعرضك من قول يداجيكا
وقد رمى بك في تيهاء مهلكة ... من بات يكتمك العيب الذي فيكا
ومن منثور كلامه: أما بعد فإنه ما من مستخلص غضارة عيش إلا من خلال مكروه، ومن انتظر بمعاجلة الدّرك مواجلة الاستقصاء سلبته الأيام فرصتها.