وحدث المبرد عن التوزي قال: حبس عيسى بن سليمان الهاشمي كيسان، وكان أحد الطيّاب، وكان أبو عبيدة يعبث به كثيرا، فشفع فيه أبو عبيدة إلى الأمير فأمر بإخراجه فقال للجلاوزة: من أخرجني؟ قالوا: تكلّم فيك شيخ مخضوب، فقال:
أمه زانية إن برح من الحبس، أحبيس ظلم وطليق ذلّ، لا يكون ذلك أبدا.
وقرأت في «كتاب التصحيف» لحمزة الأصبهاني، قال الرياشي «١» : سمعت كيسان يقول: كنت على باب أبي عمرو بن العلاء، فجاء أبو عبيدة فجعل ينشد شعرا لأبي شجرة، وهو قوله:
ضنّ علينا أبو عمرو بنائله ... وكلّ مختبط يوما له ورق
ما زلت يضربني حتى جذبت له ... وحال من دون بعض البغية الشفق
فقلت: جذبت جذبت، وضحكت، فغضب وقال: كيف هو؟ فقلت: إنما هو خذيت، فانخزل وما أحار جوابا (خذيت من قولك خذي البازي إذا ثبت على يد البازيار) .
قال أبو الحسن علي بن سليمان الأخفش، حدثني أبو العباس ثعلب: قرأ بعض أصحاب الأصمعي عليه شعر النابغة الجعدي حتى انتهى إلى قوله:
إنك أنت المحزون في أثر الح ... يّ فإن تنو نيّهم تقم
قال الأصمعي: معناه وإن تنو نيّهم تقم صدور الإبل وتظعن نحوهم، كما قال الآخر.
أقم لها صدورها يا بسبس
فقال كيسان: كذبت، أما إنك قد سمعت من أبي عمرو بن العلاء ولكن أنسيت، إنما أراد أنهم قد نووا فراقك فذهبوا وتركوك فإن تنو لهم مثل ما نووا فيك من القطيعة تقم في دارك ومكانك ولا ترحل نحوهم ولا تطلبهم كما قال الآخر:
إذا اختلجت عنك النوى ذا مودّة ... قربن بقطّاع من البين ذا شعب