إسحاق بن إبراهيم الحنظلي الفقيه أنه قال: كان الليث رجلا صالحا ومات الخليل ولم يفرغ من «كتاب العين» فأحبّ الليث أن ينفّق الكتاب كلّه فسمّى لسانه الخليل فإذا رأيت في الكتاب «سألت الخليل» أو «أخبرني الخليل» فإنه يعني الخليل نفسه، قال: وإذا قال «قال الخليل» فإنه يعني لسان نفسه. قال: وإنما وقع الاضطراب فيه من خليل الليث. قال: وأخبرني المنذري أنه سأل ثعلبا عن «كتاب العين» فقال:
ذاك كتاب ملىء غدد، قال: وهذا لفظ أبي العباس وحقّه عند النحويين ملآن غددا ولكن كان أبو العباس يخاطب العامة على قدر فهمهم.
قلت: ليس هذا بعذر لأبي العباس فإنه لو قال: ملآن غددا لم يخف معنى الكلام على صغار العامة فكيف وفي مجلسه الأئمة من أهل العلم ثم سائله الذي أجابه ليس بتلك الصورة، وإنما عذره أنه كان لا يتكلّف الاعراب في المفاوضة وهي سنّة جلّة العلماء. وأراد في جراب العين «١» حروفا كثيرة قد أزيلت عن صورها ومعانيها بالتصحيف والتغيير فهي تضرّ حافظها كما تضرّ الغدد آكلها.
قال أبو الطيب اللغوي: مصنف «كتاب العين» الليث بن المظفر بن نصر بن سيار، روي ذلك عن أبي عمر الزاهد قال: حدثني فتى قدم علينا من خراسان وكان يقرأ عليّ «كتاب العين» قال أخبرني أبي عن إسحاق بن راهويه قال: كان الليث بن المظفر بن نصر بن سيار صاحب الخليل رجلا صالحا، وكان الخليل قد عمل من «كتاب العين» باب العين فأحبّ الليث أن ينفّق سوق الخليل ثم ذكر كما ذكر الأزهري.
وحدث عبد الله بن المعتز في «كتاب الشعراء» عن الحسن بن علي المهلبي قال «٢» : كان الخليل منقطعا إلى الليث بن رافع بن نصر بن سيار، وكان الليث من أكتب الناس في زمانه، بارع الأدب بصيرا بالشعر والغريب والنحو، وكان كاتبا للبرامكة وكانوا معجبين به، فارتحل إليه الخليل وعاشره فوجده بحرا فأغناه وأحبّ الخليل أن يهدي إليه هدية تشبهه، فاجتهد الخليل في تصنيف «كتاب العين» فصنّفه