كان رحمه الله فاضلا زاهدا عابدا ورعا إماما أوحد زمانه في حسن الخط على طريقة علي بن هلال بن البوّاب. سمعت جماعة يحكون أنه لم يكتب أحد قبله ولا بعده مثله في قلم الثلث، حتى رأيت من يغالي فيه فيقول: إنه كتب خيرا من ابن البوّاب، وكان ضنينا بخطه جدّا فلذلك قلّ وجوده، كان إذا اجتمع عنده شيء من تجويداته يستدعي طستا ويغسله، فأما إذا استفتي فانه كان يكسر قلمه ويجهد في تغيير خطه، وكان أحد الشهود المعدّلين. تفقه على أبي الحسن ابن الخلّ ولازمه مدة حتى صار بارعا في الفقه وصارت له معرفة بالمذهب ولسان تام في الخلاف، شهد عند قاضي القضاة أبي القاسم الزينبي في تاسع جمادى الآخر سنة ثلاثين وخمسمائة، ولم يزل على ذلك إلى أن عزل نفسه عن تحمل الشهادة وأدائها قبل موته بمدة مديدة، ولم يدع الطيلسان، وتولّى التدريس بمدرسة كمال الدين أبي الفتوح حمزة بن علي بن طلحة الرازي التي بباب العامة المحروس بعد وفاة شيخه أبي الحسن ابن الخل المدرّس كان بها، ثم تولّى تدريس النظامية وذكر الدرس بها في تاسع صفر سنة إحدى وثمانين وخمسمائة وأضيف إليه التقدم بالرباط الجديد المجاور لتربة الجهة الشريفة السلجوقية المعروف بالأخلاطية عند مشهد عون ومعين بالجانب الغربي، وانتقل إلى هناك وسكن الدار المجاورة للرباط المذكور، وكان يعبر إلى الجانب الشرقيّ ويذكر الدروس بالنظامية ويعود إلى منزله بالجانب الغربي، وكان له قبول عند الخاصّ والعامّ وجاه عند أرباب الولايات، وهو الذي تولّى خدمة الأمير أبي نصر محمد وأبي الحسن علي ابني مولانا الناصر لدين الله أمير المؤمنين خلّد الله سلطانه في تعليم الخط، وسمع الحديث من ابن الحصين وقاضي البيمارستان وشيخه ابن الحاج وغيرهم، وحدث عنهم، ثم خرج من منزله لصلاة العصر بالرباط الجديد المذكور، وكان يؤمّ فيه، فلما توجّه للصلاة عرضت له سعلة وتتابعت فوقع إلى الأرض وحمل إلى منزله فمات لوقته في الوقت المقدّم ذكره، وصلّي عليه في غده، واجتمع له خلق عظيم، ودفن بتربة الجهة السلجوقية المجاورة للرباط، وهو فيما يقال ابن اثنتين وثمانين سنة.