عليهم؟ فلم يزلن بها حتى قامت فانصرفت عن القبر، فلما صارت منه غير بعيد عطفت بوجهها عليه وقالت:
سئمت حياتي حين فارقت قبره ... ورحت وماء العين ينهلّ هامله
وقالت نساء الحيّ قد مات قبله ... شريف فلم تهلك عليه حلائله
صدقن لقد مات الرجال ولم يمت ... كنجدة من إخوانه من يعادله
فتى لم يصق عن جسمه لحد قبره ... وقد وسع الأرض الفضاء فضائله
قال فقلت: أحسنت والله يا أبا الندى وأحسنت، فهل تعرف من شعرها شيئا آخر؟ قال: نعم، كنت ممن حضر قبر نجدة عند زيارتها إياه لتمام لحول فرأيتها أقبلت حتى أكبّت على القبر وبكت بكاء شديدا ثم أنشأت تقول:
يا قبر نجدة لم أهجرك مقلية ... ولا جفوتك من صبري ولا جلدي
لكن بكيتك حتى لم أجد مددا ... من الدموع ولا عونا من الكمد
وايستني جفوني من مدامعها ... فقلت للعين فيضي من دم الكبد
فلم أزل بدمي أبكيك جاهدة ... حتى بقيت بلا عين ولا جسد
ولله يعلم لولا الله ما رضيت ... نفسي عليك سوى قتل لها بيدي
قال فقلت: أحسنت والله يا أبا الندى وأحسنت، فهل تعرف من شعرها شيئا آخر؟ قال: نعم، حضرنا عيدا لنا في زمن الربيع، ونحن في رياض خضرة معشية فركب الفتيان وعقدوا العذب الصّفر في القنا الحمر وجعلوا يتجاولون، فلما أردنا الانصراف قال بعضنا لبعض: ألا تجعلون طريقكم على الذلفاء فلعلها إذا نظرت إليكم تسلّت بمن بقي عمن هلك؛ قال: فخرجنا نؤمّها فأصبناها بارزة من خبائها، وهي كالشمس الطالعة إلا أنه يعلوها كسوف الحزن، فسلّمنا عليها وقلنا: يا ذلفاء إلى كم يكون هذا الوجد على نجدة؟ أما آن لك أن تتسلّي بمن بقي من بني عمك عمن هلك؟ ها نحن سادات قومك وفتيانهم ونجومهم، وفينا السادة والذادة والبأس والنجدة، فأطرقت مليا ثم رفعت رأسها باكية تقول: