الزمان في أشعاره مما انتجعه بالشعر من ملوك خراسان ووزرائها وخلفاء العراق وأمرائها ما لم يحصل للمتنبي في عصره ولا ابن هانىء في مصره، فمن ذلك ما حدثنيه القاضي أبو سعد محمد بن عبد الملك بن الحسن النديم أن أفضل الدولة الأبيوردي لما قدم الحلة على سيف الدولة صدقة ممتدحا له، ولم يكن قبلها اجتمع به قط، خرج سيف الدولة لتلقيه. قال: وكنت فيمن خرج، فشاهدت الأبيوردي راكبا في جماعة كثيرة من أتباعه منهم من المماليك الترك ثلاثون غلاما، ووراءه سيف مرفوع، وبين يديه ثمان جنائب بالمراكب والسرفسارات «١» الذهب، وعددنا ثقله فكان على أحد وعشرين بغلا، وكان مهيبا محترما جليلا معظما لا يخاطب إلا بمولانا، فرحب به سيف الدولة، وأظهر له من البر والاكرام ما لم يعهد مثله في تلقّي أحد ممن كان يتلقاه، وأمر بانزاله وإكرامه والتوفر على القيام بمهامّه، وحمل إليه خمسمائة دينار وثلاثة حصن وثلاثة أعبد. وكان الأبيوردي قد عزم على إنشاد سيف الدولة قصيدته التي يقول فيها:
وفي أي عطفيك التفتّ تعطّفت ... عليك به الشمس المنيرة والبدر
في يوم عيّنه، ولم يكن سيف الدولة أعدّ له بحسب ما كان في نفسه أن يلقاه به ويجيزه على شعره، واعتذر إليه ووعده يوما غير ذلك اليوم ليعدّ ما يليق بمثله اجازته مما يحسن به بين الناس ذكره، ويبقى على ممرّ الأيام أثره، فاعتقد أفضل الدولة أنّ سيف الدولة قد دافعه عن سماعه منه استكبارا لما يريد أن يصله به ثانيا، فأمر الأبيوردي أصحابه أن يعبروا ثقله الفرات متفرقا في دفعات، وخرج من غير أن يعلم به أحد سوى ولد أبي طالب ابن حبش فانه سمعه ينشد على شاطىء الفرات حين عبوره:
أبابل لا واديك بالخير مفعم ... لراج ولا ناديك بالرفد آهل